الجمعة 9 فبراير 2007
يوسف القعيد
هناك نص جميل لأورهان باموق الحاصل على نوبل .2006 وقد ترجمت أعماله الى العربية مبكرا. حتى قبل حصوله على نوبل. قرأنا له جودت بيك وأولاده. اسمى أحمر، الحياة الجديدة، الكتاب الاسود، البيت الصامت. وأخيرا ترجمت له في هيئة الكتاب اول رواية تترجم له في مصر وهي القلعة البيضاء الصادرة في مسلسله الجوائز. والنص الذي توقفت امامه يعود الى سبع سنوات مضت ومن المتوقع ان ينشر ضمن كتاب عنوانه:الالوان الاخرى. وفيه مقالاته والمقابلات التي اجريت معه. والنص عنوانه: مدخل الى نظرية حقيقية في المؤامرة والبارانويا. وترجمه عن التركية: بكر صدقي. وهو مترجم معظم روايات باموق الى العربية. ونشرته مجلة الآداب البيروتية ديسمبر .2006 وهو يرى ان نظرية المؤامرة تقدم العزاء للوعي القاصر. اذ تفسر سبب شقائه تفسيرا يؤمن ديمومة سيطرة القوة المتحكمة بمصيره التي هي سبب كل شقائه. وهو يعترف بوقوعه شخصيا ووقوع بلاده تركيا تحت الاحساس بنظرية المؤامرة. فهو يعاني من الهوية المزدوجة لروحه. فهو يعيش بمفرده حوالي 24 سنة. ولذلك يترسخ لديه الاحساس ان الناس قد تواطاؤا سرا على ان يقوموا بعمل موجه ضده. انه انسان مدمن على فكرة المؤامرة. والناس نفسها وقعت ضحايا لنظرية المؤامرة. انه يسمعهم يقولون في تركيا لقد اتفق يلتسين وكلينتون على تقسيم تركيا بمساعدة كل من البابا يوحنا بولس الثاني ورئيس وزراء ايطاليا. ويعترف انه كان يكتب مثل هذا الكلام في رواياته من باب السخرية. وان كان يكتب في صحف بلاده بجدية تامة. وهو يرى ان نظرية المؤامرة تقف عائقا في وجه اي تفكير متوازن وعقلاني. اذا كان الخوف من المؤامرة هو فن اقامة علاقات سببية بين اشياء قد لا تقبل بسهولة. فهو منيع في جانب آخر منه عند عجز المرء عن رؤية نفسه بصورة سوية لدى بلاده تركيا - دائما وأبدا - ما يعيب بدءا بالتضخم النقدي وممارسة التعذيب وانتهاء بمصادرة الكتب وعدم قبولها عضوا في الاتحاد الاوروبي. صاحب نظرية المؤامرة الغبي هو المخلوق الاكثر إثارة للخوف ويوجد منه الكثير في تركيا لأن الايمان بنظرية المؤامرة يوحدهم. يعترف باموق انه لم يستطع التواصل مع الآخرين. ولذلك كتب الروايات ويعترف انه يكتبها ليعرض على الملأ الجوانب المتهدلة من نفسه ومن بلاهاته.
ويقول ان روايته اسمى أحمر وهي الرواية التي وفرت له شهرة كاسحة. تبدأ هكذا: اني احذركم من الآن ثمة مؤامرة مقززة وراء موتي تستهدف ديننا وتقاليدنا ونظرتنا الى العالم. هذه في الحقيقة نظرة خاطئة شكلت محرضا على الجرائم المذكورة في الرواية. ولم يتم تصويبها في نهاية المطاف! ان بارانوياتنا تمنحنا نظرية ذات معنى او بلامعنى.
وتدفعنا في أحيان كثيرة نحو عنف غير مبرر. أو حذر غير مبرر. او انعدام حس جدير بقطعة خشب. في رأيي ان نقص الديمقراطية في تركيا اليوم ينبع أساسا من انعدام الثقة المفروضة بين التيارات الإسلامية والتيارات التحديثية الراديكالية. فلأن كلا الفريقين بارانوئي. فإن أحدا منهما لا يتخلى عن أحلامه الراديكالية في مواجهة الآخر. والحداثيون الذين يحتلون موقع السلطة يخربون الديمقراطية بسبب خوفهم من الفريق الآخر. غير انه يحدث لي ان افكر ايضا بأن ثمة نقاطا عديدة في مخاوفهم اشاركهم فيها بدوري.
ففي رأي ان الترياق الشافي ضد نظرية المؤامرة laquo;مع ان هذه ضرورية من اجل التفكير الحاذقraquo; هو ان تثق بنفسك وان تعرف الأرض التي تطأها. وأن تتعرف على الآخرين. ذلك اننا لا نشرع في تخيل المؤامرات لمعرفتنا بما يفكر به الآخرون. بل بسبب جهلنا ذلك. أما المعرفة والثقافة بصورة عامة. فإنهما تبعدان المرء عن دروب البارانويا.
أنا لا أشعر بالخجل من وجود عقل تآمري في داخلي. لأنني أعرف انهم أنشأوني على ذلك. وانني استطعت الوصول الى توازن بوساطة عقلانية نابعة من أعماقي. وأعتقد ان هذا الامر هو مصدر غنى لشخصيتي. من جهة أخرى أدرك ايضا ان في بلادي الكثير من نظريات المؤامرة. ما انتقده هو ان نظريات المؤامرة تساهم وبصورة بدائية جدا في حجب عيوب تركيا ونقاط ضعفها. فتركيا لا تقول: laquo;ما هي عيوبي؟ لماذا لا أصلح من شأن اقتصادي؟ لماذا لا أحل مشكلتي المتعلقة بحقوق الانسان؟ بل تقول بدلا من ذلك ان الغرب هو الذي يفتعل هذه المشكلات كي يقسم تركيا. ثمة بؤر خارجية متحدة فيما بينها تمارس الشر من أجل الشر.
مثل هذه الأفكار هي في معناها الحقيقي نظريات بارانوئية بل مجنونة اذا صح التعبير. اليساريون السابقون الذين باتوا يقبلون ايدي شيوخ الجوامع تحولوا الى فاشيين أين منهم القوميون الصرب؟! تعلمت جيدا الاحتكاك مع هؤلاء الناس والتعايش معهم. أعرف جيدا هذه الاصوات. ان اقوى ما في البارانويا المغالية ونظرية المؤامرة هي انه لا يمكن نقضهما. فسوف تقول إن فلانا قال كذا من دون أن تكون في حاجة الى اثبات ذلك. أو تقول مثلا: اترى ذلك الرجل الذي يشتري علبة سجائر من البائع؟ انه في الحقيقة لا يشتري سجائر. بل يهمس في اذن بائع الدخان كانه يقول سرا عسكريا. أما البائع فهو يتظاهر بفتح زجاجة المياه الغازية. وحقيقة الامر هي انه يفتح ذلك السر داخل الزجاجة.
لا حاجة بك الى اثبات ادعائك ذاك. فكلامك يتوافق الى حد ما مع المشهد. وهو ينفع في التعبير عنك وعن الاشباعات المنقوصة لديك.
في الوقت الحالي كلما وقعت الدولة في حالات من اليأس والعجز. قامت ببث نظريات المؤامرة في الاذاعة والتلفاز الرسميين.
ومع الاسف يصدقها الشعب. وينزل الناس الى الشوارع بغوغائية عدوانية مقرفة. ويبلغ بهم الامر مبلغا يقتتلون معه.
هل لاحظت كلام باموق عن احساسه بالتوحد. ان تلك مشكلة المشاكل بالنسبة له.
وقد تأكدت من هذا عندما رأيته على الطبيعة خلال زيارته لمصر. ولكن تلك حكاية اخرى.
التعليقات