اعتبر ان الأطراف العراقية دخلت laquo;في مرحلة جديدة بعدما تشكلت قناعات عن حدود كل طرف وإمكاناتهraquo; ...
طهران - حسن فحص
أكد عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي أن أي صدام ايراني - أميركي laquo;سيصعب ضبطه لأن الساحة واسعة جداً والامكانات كبيرة لدى الطرفينraquo;، مجدداً الدعوة الى حوار بين الجانبين، ومؤكداً أن أي شرارة قد تفجر الوضع، على رغم رغبة كل الأطراف في تجنب المواجهة. ورأى عبد المهدي القيادي في laquo;المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراقraquo; بزعامة عبدالعزيز الحكيم في مقابلة مع laquo;الحياةraquo; في طهران أن laquo;قناعات راسخة بحدود كل طرف وإمكاناته بدأت تتشكل في العراق بعد هذه المرحلة من العنف والاقتتال الطائفي. أين وإلى أين يستطيع أن يذهب؟ ما هو دور المشاركة والمساهمة لدى كل طرف؟raquo;، لافتاً الى أن الأطراف السياسية انتهت laquo;من مرحلة ودخلت في مرحلة جديدةraquo;. وفي ما يأتي نص المقابلة:
} إلى أين يسير العراق في ظل خطة أمنية جديدة لمعالجة الوضع الأمني المتفلت؟
- ما يمر به العراق الآن هو عملية تاريخية تسعى إلى إزاحة عقود طويلة من المآسي والمشاكل والحروب والتدهور الاقتصادي والعقوبات والحصار والعلاقات الاقليمية والأجندات الدولية. لذلك، لا يمكن انتظار حل خلال سنة أو سنوات قصيرة. الدعم الشعبي للتغيير كبير، لكن سوء الأوضاع وصعوبة الظروف قد تصيب الشعب بالإحباط الذي لا يعني رفضاً للتغيير بل التأكيد عليه، أي رفض العودة الى الوراء.
} أليس هناك أحزاب طائفية أو مذهبية تتقاتل مع بعضها بعضاً؟
- العنف القائم إرهابي وطائفي وسياسي وذو أبعاد اقليمية ودولية وهو مفتوح على كل شيء في الهدف والخصم والوسيلة، ما يجعله استثنائياً وفريداً في نوعه تاريخياً وعالمياً. عنف متحرك من الجهات الاربع، ويضرب كل شيء وبأي شيء، لا توجد فيه جبهة قتال أو جماعة واضحة المعالم يراد هزيمتها أو طائفة أو قومية محددة يراد اخضاعها.
الكلام عن حرب أهلية غير صحيح. أعتقد أن التعبير الأصح عما يجري في العراق هو laquo;حرب على الأهالي وليس حرباً أهلية، فالعنف يستهدف الأهالي ويهدف الى تعطيل حركة المجتمع، ويوقع كثيراً من الضحايا والخسائر. والوضع ليس منفلتاً، لكننا نواجه شكلاً من العنف يفوق قدرات السيطرة عليه في أوضاعنا وقدراتنا. إنه غير منفلت على رغم قسوته وخطورته، لأنه عندما تعلن الحكومة منعاً للتجول ينصاع الجميع. وعندما تريد أن تدخل منطقة، فهي تستطيع ذلك... أما في الحرب الأهلية، فالأمر مختلف. وهذا دليل على أن صناع العنف هم قلة، مقارنة بالشعب الذي لا يزال يعتبر الحكومة المرجعية الشرعية والتمثيلية.
} وجّهت انتقاداً حاداً إلى الادارة الأميركية من دافوس. وأشرت الآن الى حروب الآخرين على أرض العراق. هل تحولت أرض العراق الى مكان لصراع الأطراف؟
- الأكيد هو أن الأميركيين ارتكبوا أخطاء. كما ارتكبنا نحن والآخرون كثيراً من الأخطاء. وهم شئنا أم أبينا باتوا جزءاً من المشكلة وجزءاً من الحل أيضا. هناك سلبيات وهناك إيجابيات. فإزالة الاستبداد والسعي إلى الديموقراطية يُعتبران من الايجابيات... لكن وضع العراق تحت الاحتلال من السلبيات. وبغض النظر عن عوامل مجيء القوات، إلا أنها تشكل حالياً عامل توازن وقلقاً في آن معا. كثير من القوى التي كانت تطالب أميركا سابقاً بالخروج، تطالبها الآن بالبقاء.
} هل تعني الاستراتيجية الجديدة للرئيس بوش أن تقويم المرحلة السابقة كان سلبياً؟ وهل يسعى الرئيس الأميركي إلى منع الهزيمة عنه في العراق والمنطقة؟
- نوقشت الاستراتيجية الجديدة بالتفصيل مع القيادة العراقية. ويميل معظم القادة العراقيين إلى تأييد هذه الاستراتيجية وتوجهاتها العامة، ووجدوا فيها عاملاً إيجابياً بما في ذلك زيادة عدد القوات. هناك بالتأكيد إجماع أميركي على منع الفشل في العراق، ويريد الطرفان النجاح. وتدرك الولايات المتحدة أبعاد فشل سياستها في العراق، فيما يكمن الخلاف بين الحزبين الاميركيين على القيادة والأسلوب وكيفية إرضاء الرأي العام.
نحن في العراق لا نريد غير النجاح الذي يرتبط ايضاً بنجاح السياسات الأميركية والسياسات الاقليمية الهادفة الى التهدئة وتحقيق السلم الاهلي ودعم المؤسسات الدستورية والعملية السياسية. لا نريد حصول فشل لأننا سندفع ثمنه، وسندخل والمنطقة، في دورة جديدة من العنف ومن التجارب.
} هل سيبقى العراق ساحة صراع وتصفية حسابات إقليمية مع أميركا على أرضه؟
- لا نتمنى ذلك. فإيران دعمت العملية السياسية في العراق وتقف معها. صحيح أن هناك منافسة بين ايران وأميركا. ونحن العراقيين نتمنى حواراً أميركياً - ايرانياً ونتمنى تسويات أميركية - ايرانية، وحواراً سورياً أميركياً. وبالتأكيد، نتمنى ايضاً حواراً تركياً - عربياً، وعربياً - ايرانياً وشيعياً - سنياً. ونتمنى دوراً وحضوراً عربياً أكبر في العراق، وخصوصاً السعودية ومصر وغيرهما. العراق ملف اساسي في المنطقة، وأعتقد بأنه سيبقى كذلك لفترة من الزمن. وهذا لا يعني عدم وجود ملفات كبيرة أخرى في المنطقة، كالقضية الفلسطينية ولبنان وايران وملفها النووي. لكن هذه الملفات تصبح مهمة في مواقعها. ففي داخل الولايات المتحدة وعند صناع القرار والرأي العام، العراق هو الملف الرئيس... وكل المؤشرات تفيد بأنه سيبقى كذلك لأعوام.
} وهل هناك أفكار للقاءات أوسع من ذلك بين أطراف اقليمية ودولية للتعاون على انجاح التجربة العراقية؟
- في السياسة هناك موازين للقوى. وعندما تدخل هذه الأطراف في جولة أو معركة، فهي لا تعرف آفاقها أو حدودها، فتعمد الى التجربة عبر التدافع والصراع، بهدف استكشاف قوة الأطراف الاخرى وضعفها. بعدها، يبدأ كل طرف بإدراك الحدود التي يمكن أن يصل اليها، فتنتقل الجولة من الصدام الى جسّ النبض والحوار ومعرفة إمكانات الآخر.
تجاوزنا مرحلة التدافع والصدام، ووصلنا الى جسّ النبض. فمن سيبدأ المرحلة الأخيرة؟ تحتاج هذه المرحلة الى دقة لدى مختلف الأطراف. نشعر بأن الجميع، ما عدا المتطرفين، يتجنب الصدام، لكن الوضع حساس وأي خطأ بسيط في التقدير قد يقود إلى تدهور خطير.
} بناء على ما ذكرتم، هل نتوقع خلال عقد مؤتمر وزراء الخارجية في بغداد لقاء بين وزيري الخارجية الايراني والأميركي؟
- المبادرة المطروحة للقاء وزراء الخارجية لا تتضمن الأميركيين. لكن لقاءات أخرى قد تتضمن مثل هذا اللقاء. في مؤتمر شرم الشيخ، حصل تبادل حديث بين وزيري الخارجية الأميركي (كولن) باول والايراني (كمال) خرازي. وكانت هناك مساع إلى عقد لقاء بين زعامات ايرانية واميركية. ما زالت هذه الرغبة موجودة عند الطرفين. لكن كيف يتم إخراجها في طريقة يشعر الجميع بأنهم يتقدمون الى الامام في سياق لا مهزوم فيه؟ هنا تكمن المسألة.
ولا يقتصر هذا الأمر على اللاعبين الخارجيين، بل يطال أيضاً اللاعبين العراقيين. فالسنة من جهة تصوروا بأنهم أُخرجوا من الحكم ويريدون العودة مشاركين وليسوا تابعين، مع رغبة من متطرفيهم في استعادة الوضع السابق، في مقابل بعض التوجهات المغالية من الاكراد والشيعة. لكن، وبعد هذه المرحلة من العنف، وحتى الاقتتال الطائفي، بدأت تتشكل قناعات راسخة بحدود وإمكانات كل طرف. أين والى أين يستطيع أن يذهب؟ ما هو دور المشاركة والمساهمة لدى كل طرف؟ لذلك أقول انتهينا من مرحلة وندخل في مرحلة جديدة. وكل طرف في صدد الوصول الى الحد الذي يضمن له ما يستحق، وفي شكل موضوعي.
} هل توضح هذه الحقائق السياسية والطائفية الجديدة للأطراف العربية المتخوفة؟
- نعم هي توضح باستمرار: فعلاً وكلاماً وصورة وواقعاً. لكن الواقع، بما فيه من عنف واجرام وموت، أكبر من الكلمات، ورسالته واضحة وقوية لمن يريد أن يفهمها. من هنا، أعتقد بأننا لسنا مقبلين على حروب كبيرة وطويلة، كما كان الوضع قبل الحرب العراقية - الايرانية أو قبل اجتياح الكويت أو قبل الحرب اللبنانية. قد نواجه حروباً قصيرة لاعادة التوازن أمام منطق قد يتطرف أو قد يجد أن من حقه أخذ المزيد، أو طرف مهدد فيدافع... وهكذا دواليك.
} هذا الكلام يخرجنا من العراق، لانه يؤشر الى امكان تصادم ايراني - أميركي؟
- يدرك الطرفان أن اندلاع صدام سيصعب ضبطه. فالساحة واسعة جداً، والامكانات كبيرة لدى الطرفين. ولا اعتقد أن هناك طرفاً اقليمياً او عالمياً جاد يريد أن يعيد المنطقة الى مزيد من الحروب. والمنطقة واستقرارها باتا حاجة دولية. ومن الصعب جداً التفكير بحرب طويلة، لكن هذا لا ينفي نهائياً الحرب. لأن الحرب تندلع إما لشعور طرف بأنه تفوق كثيراً، ويستطيع ان يهزم الطرف الاخر، او يتأزم طرف عملاق ويشعر بأنه مهدد من طرف اصغر وهو يعتقد بأنه يملك الوسائل لهزمه. فأميركا قوة كبيرة ولها امكانات. قد تهزم الخطط أو السياسة الأميركية في معركة... لكن لا تستطيع أن تلغي الوجود الأميركي أو أن لا تتعامل معه.
في المقابل، إيران اصبحت دولة اقليمية كبيرة. جُربت حلول ازاحة وتحييد الوضع الايراني منذ الحرب العراقية الايرانية التي عانت منها المنطقة، ثم بُذلت جهود كبيرة حتى توقف تلك الحرب التي وصلت الى حد استخدام صدام الاسلحة الكيماوية... لكن لا تجري الامور كما يخطط لها السياسي، وخصوصاً إذا كان أحد الاطراف متخوفاً أو متأزماً. وقد يؤدي موقف من هنا أو هناك الى اندلاع شرارة تؤجج حريقاً لا يمكن السيطرة عليه. لذا يجب الانتباه جيداً.
} هل من الممكن الابتعاد عن دائرة الخطر؟
- باعتقادي، تسعى كل الاطراف اليوم إلى هذا الهدف. وحتى لهجات التصعيد قد يكون هدفها التفاوض والحوار، لكن الحوار له حدود ووقت ولغة، ويجب أن ينتهي الى نتيجة، لان الوقت قد يزيد من عوامل عدم الثقة والاحباط وقد تتغير المعادلات وموازين القوى. قد تشعر الأطراف المختلفة بأن الضرب من تحت الحزام سيجلب الطرف الآخر الى ما يلتقي مع مصالحه. قد يكون هذا ممكناً في وقت، لكنه قد يصبح خطيراً في وقت آخر. الجميع في حاجة إلى منطق تهدئة ورسائل تطمين والابتعاد عن الاتهامات المجانية التي لا تستهدف سوى الضغط وليس الحقائق... وكذلك نحن في حاجة الى خطاب بعيد عن التأزيم والتهديد.
} يقال إن الجانب الايراني يراهن على الحوار لقتل الوقت لأنه بارع في ذلك؟
- الطرفان الآن يمتلكان أوراقاً قوية. ايران لديها ورقة قوية هي الاستمرارية والوقت. كلما يتأخر الحل، تستمر في أعمال التخصيب. وبعد احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن، بات الطرف الآخر يمتلك ورقة قوية ايضاً. كلما تتأخر ايران، تتصاعد العقوبات. وايران لم تعد كما في السابق بلداً لا يتأثر بالحصار والعقوبات، فهي تشهد نهضة وتقدماً وتحتاج الى التفاعل مع الوضعين الاقليمي والدولي. وفي حال تشديد العقوبات فان ايران لن تموت من الجوع لكنها ستصاب بأضرار، ولن تعود قادرة على احتلال المساحات التي تستحقها اقليمياً وعالمياً.
من هنا فان اقتراح (مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد) البرادعي في شأن التعليق المتبادل جيد، مع وجود نقطة خلافية فيه على آلية التعليق: هل يأتي قبل المفاوضات أو بعدها؟ الامر يحتاج الى خطوة من أحد الطرفين أو الاثنين معاً لابداء حسن النية وبناء بعض الثقة، مع التزامات متبادلة. كقبول الكونسورتيوم في ايران أو في منطقة محايدة. أو أن تبدأ ايران مثلاً، وكبادرة حسن نية باعلان التعليق ثم تبدأ المفاوضات والحوار لحل بقية القضايا، أو أن يعلق الطرف الآخر العقوبات، ويدعو خلال فترة محددة إلى أن تعلق ايران التخصيب. حالياً، يبدو أن هذا السيناريو هو المطلوب، لكن غياب الثقة بين الطرفين والخوف المتبادل يحتاجان الى براعة لتجاوزها، كما في كل مراحل تاريخ الخصومات الكبرى. وقد تشكل كلمة تاريخية من زعيم أو تدخل زعامة طرف ثالث سبيلاً إلى كسر حاجز الجليد.
} هل يعني هذا أن المنطقة مقبلة على هدوء؟
- ليس هدوءاً كاملاً... ستستمر التدافعات الموقتة لتحسين المواقع. لن نصل الى نقطة استقرار ثابتة ليكون هدوءاً ثابتاً. هذا الأمر يحتاج الى عوامل استقرار جديدة.
التعليقات