علي أنوزلا
قطر دولة معقدة، ليس بمعنى أنها دولة معقدة التكوين يصعب فهم واقعها السياسي والإجتماعي والديمغرافي والثقافي.. فهذه الدولة لم توجد ككيان قائم بذاته إلا بداية القرن الثامن عشر، ولم تصبح دولة ذات سيادة إلا عام 1971 ، وفي آخر احصاء سكاني شهدته البلاد عام 2004 بلغ عدد سكانها 743 ألف نسمة 60 في المائة منهم من الأجانب، أي أن سكان قطر الأصليين لا يتعدون سكان حي صغير من احياء مدينة مغربية صغيرة مثل مدينة تمارة (ضاحية الرباط العاصمة).
قطر دولة معقدة بسبب ما يحمله ساستها أو بالأحرى أمراؤها من عقد مرضية، عقدة الصغر وعقدة الأب وعقدة الظهور، لذلك يلجؤون كل مرة وبشتى الوسائل للفت الإنتباه إليهم بأنهم موجودون على الخريطة، وبالأمس استقبل أمير قطر نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز الذي جاء إلى الدوحة في اطار زيارة quot;علاقات عامةquot; كما وصفت ذلك وكالة الأنباء الدولية.
توقيت زيارة بيريز quot;جزار قاناquot; ليست بريئة وليس الهدف منها كما قالت ذلك قناة quot;الجزيرةquot; القطرية المشاركة في مناظرات مع طلاب عرب عبر الأقمار الصناعيةquot;، وكأن هذه المناظرة كان يتعذر تنظيمها إلا من الدوحة ! زيارة بيريز تمت برمجتها وفق أجندة اسرائلية محسوبة، فهي جاءت للتخفيف من حالة الإحتقان السياسي الداخلي الذي يقسم الطبقة السياسية الإسرائلية بفعل قضايا الفساد الداخلى لكبار المسؤولين واحتدام الجدل حول الفشل العسكرى فى لبنان وما يتبعه من اهتزاز لصورة الجيش الاسرائيلى ولمستقبل الوجود الإسرائيلي بالمنطقة. و لإظهار اسرائيل بمظهر الدولة الساعية إلى السلام مع محيطها العربي في وقت يشتد فيه الإقتتال بين quot;الإخوةquot; في فلسطين، الذين نصح شيخ قطر ضيفه الإسرائيلي بعدم الإهتمام quot;كثيرا بتصريحاتهم لأنهم يتعين عليهم إرضاء مستمعين آخرينquot; حسب التصريح الذي نسبه إليه موقع quot;بي بي سي العربيةquot; .
زيارة بيريز ليست بريئة لانها تأتي في وقت تدق فيه أمريكا واسرئيل طبول الحرب ضد ايران، وتسعى الدولتان إلى تأليب دول الخليج ضد طهران استعدادا لضربها، فنفس السيناريو سبق أن تكرر قبل غزو العراق، ويتذكر الجميع صورة وزير الخارجية القطري في بغداد كآخر سياسي عربي ذهب ليسدي quot;النصحquot; للمسؤولين العراقيين فيما كانت القوات الأمريكية تجهز صواريخها وطائراتها للإنطلاق من قاعدة العديد بقطر لتدمير العراق. وقد بدأنا نسمع أصوات من المنطقة من السعودية و قطر والكويت تحذر من الخطر الإيراني، وهو نفس الخطاب الذي تبنته أنظمة الخليج ضد نظام صدام حسين قبل الهجوم الأمريكي على العراق، وأصبحت هذه الدول اليوم تتأسف لما آل إليه مصير العراق وتتخوف من خطر التفتيت الذي إن طال العراق فلن يسلم منه جيرانه.
المشكل في عقد قطر ليس في كونها بنيوية ومزمنة فقط وإنما لأنها عندما تريد ان تفرغها تفعل ذلك داخل محيط عربي مريض فتصيب الجميع بوبائها، لذلك لا نستبعد أن نسمع غدا أن عاصمة عربية أخرى فتحت أبوابها لمسؤول اسرائيلي وفتحت سمائها وأرضها للأساطيل الأمريكية التي تجوب هذه الأيام مياه الخليج العربي مثل الضباع بحثا عن فريسة جديدة.
التعليقات