الأثنين 12 فبراير 2007


هيلينا كوبان - كريستيان ساينس مونيتور


مع تصاعد حدة التوترات والمواجهات بين واشنطن وطهران، يساورني قلق كبير إزاء المساعي التي تبذلها إدارة بوش في رسم صورة للعواقب الإقليمية التي يمكن أن تترتب عنها ضربة عسكرية لطهران، تتعارض تماماً ونواقيس الخطر التي يدقها الواقع الإقليمي. وعلى سبيل المثال، فقد تحدثت كل من وزيرة الخارجية quot;كوندوليزا رايسquot;، ومستشار الأمن القومي، quot;ستيفن هادليquot;، عن مدى الخطر الذي تمثله إيران الشيعية وغير العربية، على العالم العربي السُّني المجاور لها. وفي الاتجاه ذاته، مضى عدد من مؤيدي توجيه ضربة عسكرية لطهران، إلى القول إنها ستلقى ترحيباً واسعاً من قبل العالم السُّني العربي، وإنها ستمكن قوى الاستقرار في المنطقة، من القيام بدورها القيادي التوفيقي المفترض لها. غير أن ما توصلت إليه خلال زيارتي الحالية إلى مصر، يدحض هذه الحجج وينسفها تماماً. فقد أعرب المصريون الذين تحدثت إليهم حتى الآن، بمن فيهم دبلوماسيون سابقون وصحفيون، ومحللون سياسيون ذوو خبرة مهنية راسخة، عن إجماعهم على معارضة توجيه أي ضربة عسكرية أميركية لطهران.
ومن بين هؤلاء تذكّر الباحث الاجتماعي الدكتور سعد الدين إبراهيم، تلك الصورة الوردية الزاهية التي رسمتها إدارة بوش وأنصار غزو العراق قبيل صيف عام 2003 بقليل، وقولهم إن حرب العراق، لن تكون أكثر من مجرد quot;رقصة زنجيةquot; رشيقة خفيفة! وعلى رغم الندم الذي أبداه على تأييده لها بادئ الأمر، فإنها انتهت إلى أي شيء عدا كونها تلك الرقصة الزنجية الخفيفة التي زعمها أنصار الحرب. ومضى المتحدث محذراً من أن تفضي أية ضربة عسكرية أميركية لإيران، إلى نشر ذات الفوضى التي نشهدها اليوم في العراق، في عدة دول إقليمية مجاورة. فمن منا يريد ذلك؟
وفي الاتجاه نفسه، نفى دبلوماسي مصري متقاعد، ما ذهب إليه quot;ستيفن هادليquot;، عن المخاوف التي يبديها الجيران العرب، مما ينسب لإيران من برامج وأسلحة نووية، بقوله quot;لقد عشنا جنباً إلى جنب مع الأسلحة النووية الإسرائيلية، على امتداد الحقب والسنين. لذلك وحتى في حال حصول إيران على ما ينسب إليها من هذه الأسلحة، فإنه لن يكون ثمة جديد يطرأ على هذا الواقع. وأضاف قائلاً: quot;ثم إنهم ليسوا على ذلك القرب منا على أية حالquot;.
يجدر بالذكر أن هذه المعارضة لا تقف عند حدود المصريين وحدهم. والدليل هو ارتفاع أصوات عدد من أصوات الشخصيات البارزة في العالم السُّني العربي، ضد مزاعم ومسوغات الإدارة الأميركية لاحتمال مواجهة طهران عسكرياً. ومن بين هذه الأصوات، كنتُ قد تحدثت إلى مدير تنفيذي سعودي رفيع المستوى، قال لي إنه طالما تصور أن توجيه أي ضربة عسكرية لإيران، سوف quot;تكون له تأثيراته الكارثية على المنطقة بأسرهاquot;. وعبر هذا المواطن السعودي عن أن على واشنطن أن تجد حلاً لأزمتها مع طهران عبر الوسائل الدبلوماسية. وحتى في دولة الكويت التي تعد من أقرب حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، بدأت صحيفة quot;الرأيquot; الحكومية الصادرة هناك، بنشر مقالات شديدة العداء لأميركا!
إلى ذلك يمكن القول إن للعالم العربي السُّني، قلقه وهواجسه إزاء تنامي نفوذ الجماعات الشيعية، التي تحظى بدعم إيران أحياناً. إلا أن مراقبين مصريين لمجريات الأحداث، أكدوا لي أن موجة الغضب والعداء للولايات المتحدة، تفوق قلق المنطقة من تنامي النفوذ الشيعي أو الإيراني فيها. وفسر هؤلاء موجة الغضب هذه، بأنها تعبير عن ردة فعل شعبية واسعة، إزاء السياسات الأميركية المتبعة في كل من العراق وفلسطين، إلى جانب موقف واشنطن الموالي لإسرائيل، خلال الهجمات الإسرائيلية المدمرة على لبنان في صيف العام الماضي.
وبسبب هذا السلوك، يجد بعض قادة السُّنة العرب، أنفسهم متورطين في فخ الانحياز لتحالفهم الاستراتيجي مع واشنطن من جهة، والاستجابة لتنامي الشعور الشعبي الغاضب على هذا التحالف من جهة أخرى. وقد أرغم هؤلاء على المطالبة بتسريع وقف إطلاق النار، ما أن التفت الجماهير العربية حول quot;حزب اللهquot; في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل. وهذا ما يتوقع لهم أن يفعلوه في حال حدوث أي مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران، إذ يتعين عليهم الاستجابة للضغوط الشعبية عليهم.