داوود الشريان

قيل الكثير عن مكان وتوقيت انفجار قرية عين علق الذي يأتي قبل يوم من ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فاعتبر بعضهم ان الانفجار رسالة الى الوزير الياس المر الذي كشف فضيحة شاحنة السلاح التي يمتلكها laquo;حزب اللهraquo;، وذكر ان الحادث تحذير للرئيس امين الجميل الذي عاد للتو من جولة في الولايات المتحدة وطالب بإنشاء المحكمة الدولية ونزع سلاح laquo;حزب اللهraquo;، فضلاً عن ان الانفجار الارهابي يستهدف تخويف الناس من ركوب الحافلات التي خصصت احزاب الاكثرية مئات منها لنقل المواطنين من انحاء البلد كافة للمشاركة في مسيرات الاستقلال التي ستنطلق اليوم، لكن المثير في هذا الانفجار انه يستعيد الشرارة التي اندلعت على اثرها الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975، فهو يتشابه الى حد بعيد مع الانفجار الذي ادخل لبنان في حرب استمرت خمسة عشر عاماً. فالحرب اشتعلت بعد عمليات متبادلة بين فئات مسيحية بقيادة سعد حداد وفصائل فلسطينية في لبنان اثر كمين نصبته ميليشيا حزب الكتائب اللبناني لحافلة كانت تقل مدنيين غالبيتهم من الفلسطينيين في منطقة عين الرمانة المسيحية قتل فيها قرابة 25 شخصاً.

ليس بالضرورة ان تكون لمكان الانفجار وتوقيته دلالة سياسية، لكن في حادث عين علق لا يمكن تجاهل المكان تحديداً، فالحادث وقع في منطقة مسيحية بامتياز وفي ظروف أزمة يعتقد الكثيرون في لبنان وخارجه انها أزمة بين السنة والشيعة، فكأن من خطط لهذا الانفجار يريد تغيير بوصلة الأزمة من المذهبية الى الطائفية، أو كأنه يريد ان يستفز الاطراف المسيحية التي بقيت ضمن دائرة الخلاف السني - الشيعي، فضلاً عن أن من قام بهذا العمل يدرك ان استهداف المسيحيين من شأنه أن ينقل الأزمة من المسيرات الى ما هو أبعد من ذلك، فمحاولة تغيير بوصلة الأزمة الراهنة في لبنان من خلال استهداف المدنيين المسيحيين من شأنها ان تخلط الأوراق وتسهم في معاودة طرح المخاوف السياسية المسيحية التي كانت سائدة قبل اغتيال الحريري، وتدفع اطرافاً مسيحية الى اتخاذ مواقف متطرفة تضعف التحالفات السياسية الراهنة، وتقسم الموالاة الى طرفين او اكثر، وربما احداث خلل حتى في صفوف مايسمى بالمعارضة. فزعيم مسيحي مثل ميشال عون سيجد نفسه محرجاً امام حادث عين علق، فصمته عن كشف الحقيقة يعني انه موافق على استهداف المدنيين المسيحيين، وسعيه لكشف حقيقة ما جرى سيحرجه أمام حلفائه، ولعل تصريحاته بعد الحادث كشفت جانباً من هذا القلق الذي قد يتطور مع الوقت الى موقف يفرض عليه تغيير موقعه السياسي.

لا شك في ان من نفذ حادث عين علق يريد نقل الأزمة من المراوحة والمسيرات والاحتجاجات الى المواجهة والعنف، ويتوق الى اعادة طرح الشعارات المسيحية الى الواجهة والزج بالمواطن اللبناني المسيحي في صلب الأزمة. ولهذا فإن هذا الحادث ربما يصبح مقدمة لحوادث مماثلة تستهدف المسيحيين، وتعاود صوغ الشعارات والمواقف، وتنقل اللبنانيين من أجواء المحكمة الدولية ونزع السلاح الى منظومة شعارات الحرب الأهلية. لكن رغم خطورة الحادث، وقدرة من قاموا به على فهم طبيعة الصراع في لبنان، إلا أنه يظل حلقة أخرى في مسلسل الاغتيالات والتفجيرات السابقة، ولهذا فإن قطع الطريق على اهداف هذا العمل الارهابي رهن بظهور نتائج التحقيق، وكشف من قام به، أما تسجيله ضد مجهول كما الحوادث السابقة، فمن شأنه ان يدخل لبنان في أجواء خطيرة، ويمنح من قاموا باغتيال الحريري فرصة للافلات من العقاب، فضلاً عن ان عدم كشف الحقيقة سيضعف من موقف الحكومة التي عجزت حتى الآن عن كشف الجرائم التي استهدفت الأمن في لبنان. وتبقى الاشارة الى ان laquo;عين علقraquo; في المعاجم القديمة تعني laquo;التشابك بالأيدي والاسلحة مع الغزاة والمهاجمينraquo;، ونتمنى ان لا يتحقق هذا المعنى من وراء حادث الأمس، فيكفي لبنان الويلات التي لقيها من حادث laquo;عين الرمانةraquo;.