محمد صادق دياب
كل الدول التي اعتمدت إصلاح التعليم وسيلة لتقدمها ونموها استطاعت أن تحقق في بضعة عقود ما يشبه المعجزة على مختلف مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، وغدا الفارق بينها وبين غيرها شاسعا وكبيرا، ويمكن اعتبار اليابان وكوريا وماليزيا نماذج تعكس الأثر السحري الذي يحدثه التعليم للرقي بواقع الأمم.
واليوم نحن في السعودية أمام قيادة تتجه بكل جدية وإخلاص، وبكل ثقل هذه البلاد الاقتصادي لخلق واقع تعليمي طموح تراهن عليه في تحديد ملامح مستقبلها، ومستقبل أجيالها، فمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام الذي تبلغ تكلفته تسعة آلاف مليون ريال، ومدة تنفيذه ست سنوات بدءا من تاريخ إقرار المشروع، يشكل في تقديري القاعدة الأساسية لبدء انطلاقة تعليمية كبرى لها انعكاساتها الإيجابية في النهوض بوعي الجيل الجديد، والارتقاء بأساليب تعليمه ومنظومة أفكاره. فهذا المشروع الذي يضم أربعة برامج رئيسية هي: برنامج تطوير المناهج التعليمية، وبرنامج إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، وبرنامج تحسين البيئة التربوية، وبرنامج النشاط اللا صفي، يحمل في طياته إمكانية معالجة كل جوانب الخلل في مشروعنا التعليمي إذا ما استطاع القائمون على تنفيذ هذا المشروع التعامل معه وفق رؤية عصرية ناضجة تتسم بسعة الأفق، ومنهجية التطبيق، وحسن قراءة الواقع والمستقبل.
فاليوم الكرة في ملعب وزارة التربية والتعليم، والقيادة والمجتمع يتطلعان بقدر كبير من الأمل لنتائج هذا المشروع الذي لن يقتصر أثره على البيئة التعليمية بل يفترض أن يمتد إلى واقعنا الاجتماعي بأكمله.. إنها الفرصة التي ينبغي أن تستثمرها القيادة التربوية والتعليمية لإحداث نقلة فكرية وتعليمية واجتماعية هامة تتحول فيها الكثير من الأحلام إلى واقع.
وكم أتمنى أن تستعين وزارة التربية والتعليم بمجموعة من الخبراء الدوليين الذين لهم تجاربهم في التخطيط لبرامج تعليمية ناجحة، إذ من المسلمات أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فلقد ركضنا كثيرا في الماضي في اتجاه توطين الوظائف التعليمية، وكان لذلك الركض إيجابياته وسلبياته، ومن أبرز سلبياته معلمو الضرورة الذين لجأنا إليهم لتدريس صغارنا من غير المؤهلين تعليميا وتربويا بصورة كافية، فالتعليم في البداية والنهاية عبارة عن محصلة مجموعة من التجارب البشرية التي لا يمكن أن يستغني فيها مجتمع إنساني عن خبرات وتجارب غيره من المجتمعات، فلا تزال الدول المتقدمة تعليميا تهتم كثيرا بتبادل مثل هذه الخبرات عبر قنوات عدة.
وباختصار: إنها الفرصة الطموحة الآن تضعها القيادة السياسية بين يدي رجال التربية والتعليم، فهل يحسنوا استثمارها في تحديث التعليم لخلق واقع أفضل ومستقبل أمثل؟
التعليقات