الجمعة 16 فبراير 2007
د. رياض نعسان أغا
كانت مناسبة طيبة أن نقيم في أصفهان مطلع فبراير الحالي أسبوعاً ثقافياً حلبياً لكون حلب وأصفهان عاصمتي ثقافة إسلامية في عام 2006، ولست هنا في معرض الحديث عن الأهمية الثقافية العربية والإسلامية لهذا التواصل فله موضع آخر، فما يعنيني هنا هو الجانب السياسي من اللقاء مع الأصدقاء الإيرانيين الذين أفادوا من وجودنا معهم فعقدوا ندوة بعنوان quot;الحوار العربي- الإيرانيquot; أقيمت برعاية الرابطة الثقافية الإسلامية في طهران وحضرها عدد من كبار المثقفين الإيرانيين والعرب الذين طرحوا أهم القضايا الراهنة بين الأمتين بشفافية وصراحة. وكان مما جعل الحوار ثرياً حضور أطياف دينية وسياسية ذات صلة بالقرار السياسي.
وليس سراً أن الصراع المفتعل بين السُّنة والشيعة، يفرض نفسه في هذه المرحلة بالذات على كل حوار، وكان ضرورياً أن يسارع المعنيون بالثقافة إلى دراسة الوقائع لإيجاد العلاج ودرء الفتنة وإيقافها. وفي لقائي مع هاشمي رفسنجاني عرضت أهمية إعلان عن المشترك بين المذاهب، لنطمئن المسلمين جميعاً إلى أن ساحة المشترك أوسع بكثير من مساحة المختلف حوله. وقد ذكر لي سماحته أن هذا الأمر موضع اهتمامه، وأن علماء مسلمين (ذكر من بعض أسمائهم يوسف القرضاوي، معنيون بهذا الأمر) وقد سررت للمسارعة في إجراء حوار على قناة quot;الجزيرةquot; بين رفسنجاني والقرضاوي، ومهما تكن نتائج هذا الحوار محدودة على الصعيد التطبيقي في نظر عدد من المتابعين فإن أهميته تأتي من المكاشفة والمصارحة والصدق في التعبير عن المكنون.
وقد سررت كذلك لاتفاق الشيخين على ضرورة التأكيد على وحدة العراق وانتماء أبنائه إليه بصفته وطناً للجميع، وجعل الإسلام فوق المذاهب والأمة فوق الأعراق، وكنت في الحوار الذي عقدناه في طهران قد وجدت ذات التوجه عند المشاركين. وقد ذكرت لعدد من كبار المسؤولين أهمية أن يستمر الحوار بين العرب وجيرانهم وشركائهم الإيرانيين، وأن يتجه الحوار إلى أهلنا في الخليج بخاصة، فبعضهم يشعر بالقلق من تعاظم قوة إيران العسكرية، وفيهم من يخشى فكرة تصدير الثورة الإيرانية أو التبشير المذهبي بها. وقد استجاب المثقفون الإيرانيون إلى ضرورة استمرار الحوار كيلا يتكرر الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية في فخ الاستعداء، وكنت أؤكد أنني لا أتحدث باسم سوريا في هذا المعرض، وإنما أنقل وجهة نظر بعض المثقفين العرب. فنحن في سوريا لا نجد مع إيران ما يدعونا إلى الشعور بضرورة الحوار، لأن العلاقات السورية- الإيرانية وصلت إلى حد متميز في التعاون من أجل مصلحة الشعبين والأمتين، ومن أجل أمن منطقتنا الإسلامية كلها. لكننا لا ننسى أن ثمة مشكلات عالقة بين العرب والإيرانيين يمكن أن ينفذ منها الخلاف، مثل مشكلة الجزر الإماراتية التي تحتاج إلى نقاش وحوار وحلول قانونية عادلة. وقد قال لي أحد أصدقائي من الخليج إن علاقاتنا التاريخية مع إيران أقوى وأشد من علاقتها مع أي بلد آخر، بل إن ميزان التبادل التجاري بيننا وإيران هو أعلى بكثير مما هو بين سوريا وإيران، لكن الإيرانيين لا يكلموننا بشفافية. ولم أخف عن أصدقائي الإيرانيين خطر ما تقدم عليه الولايات المتحدة من إيهام بأن العدو الحقيقي للأمة العربية هو في الشرق وبالتحديد في إيران الشيعية، كي تصرف أنظارهم عن العدو الحقيقي في إسرائيل. وغير بعيد أن تجد مثل هذه الدعوة أنصاراً لها في وسط من فقدوا الأمل بوجود أمن قومي عربي، وهم يدركون ذلك ويعرفون أن الصهاينة لا يؤمن جانبهم.
إن ما نسعى إليه هو درء الفتنة المفتعلة بين السُّنة والشيعة، فقد بدا مريباً أن يتذكر الشيعي أنه شيعي بعد أربعة عشر قرناً، أو أن يتذكر السُّني أنه سُني بعد هذه القرون الطويلة من التعايش والتفاهم والتمازج الاجتماعي، حيث نجد في الأسرة الواحدة أباً سُنياً وزوجة شيعية، وكذلك العكس، ونجد الامتزاج ذاته في القبيلة الواحدة، مما يدعونا إلى الشك في حقيقة ما يحدث في العراق، وإلى الريبة بأن الاعتداءات التي حصلت على مساجد الشيعة ومساجد أهل السُّنة إنما قام بها عملاء مأجورون يدفعهم الصهاينة على الطرفين لإحداث الفتنة وجر العامة إلى الاقتتال. ونحن لا ننسى حادثة البريطانيين اللذين اعتقلا وهما بملابس شعبية عراقية بعد أن نفذا جرائم إرهابية، فقامت قوى الاحتلال باقتحام السجن وأفرجت عنهما. وكذلك نذكر النساء الست الأميركيات اللواتي وجدن بملابس العراقيات وهن مسلحات. ومثل هذا كثير مما يحدثنا عنه أهلنا العراقيون الهاربون إلينا من جحيم الاحتلال.
إننا مطالبون بنشر الوعي في الأوساط الشعبية، وبالبراءة ممن يرتكبون الجرائم ممن يسميهم الأميركان quot;القاعدةquot;، ومن الجهال والغوغاء الذين يرتبكون جرائم باسم الشيعة، كما نبرأ من فتاوى التكفير، ونطالب بالكف عن استخدام ألفاظ وأقاصيص تثير مواجع الخلافات التاريخية، كيلا يجرنا أعداء الأمة إلى الفتنة التي يشعلونها بين السُّنة والشيعة في العراق، وبين الطوائف والمذاهب جميعاً في لبنان. والمفارقة أن أعداءنا حين لم يجدوا مذهبية تفرق المجتمع الفلسطيني قاموا بتفجير الصراعات بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; مع أنهما فصيلان من فصائل المقاومة، ونحمد الله أن قادة فلسطين من الجانبين تمسكوا بالعقلانية والحكمة التي تحمي شعب فلسطين من خطر الوقوع في جحيم حرب أهلية تخطط إسرائيل لإيقاعهم فيها.
وعلينا أن ننبه إلى أن افتعال الفتنة بين الشيعة والسُّنة في الوقت الذي تهدد فيه الولايات المتحدة إيران، لا يبعد أن يكون نوعاً من التعبئة النفسية للسُّنة كي يساندوا الولايات المتحدة في حربها المحتملة ضد الشيعة في إيران، ولهذا ذكّر القرضاوي بموقف المسلمين جميعاً حين انتصروا لـquot;حزب اللهquot; دون النظر إلى الخلافات المذهبية حين شنت إسرائيل حربها على المقاومة في لبنان.
وبالعودة إلى الحوار العربي- الإيراني أؤكد أنني وجدت أصدقاءنا الإيرانيين منفتحين على الحوار مع العرب عامة، ومع أهل السُّنة بخاصة، وأنا أدعو إلى هذا الحوار من منطلق عروبي، آملاً أن تكون سوريا جسر تواصل ومحبة وتفاهم بين العرب وإيران كيلا تقع فتن جديدة، وحسبنا ما وقعت فيه الأمتان من كوارث وفواجع في الثمانينيات. ولقد حذرت في مقالة سابقة في هذه الصفحة من خطر صفِّين جديدة، ومن بحر الدماء الذي يحيط بنا ويكاد يغرقنا من كل صوب.
إن علينا في أقطارنا العربية أن نؤكد على الانتماء الوطني أولاً، وعلى الانتماء العربي بمعناه الحضاري والثقافي الواسع الطيف، وقد عشنا في رحابته قروناً، ولم يسمح آباؤنا وأجدادنا أن تمزق أمتهم المذاهب والأعراق وفواجع التاريخ.
التعليقات