سمير عطا الله
خرج قسم من اللبنانيين امس يتذكرون رفيق الحريري وقبع قسم آخر في منازلهم لا يتذكرون. وتوزع خطباء المناسبة طبقات الخطاب وجمع بينهم قاسم مشترك: كل خطيب له فقيد من مرتبة ما: من رئيس للجمهورية الى رئيس للوزراء الى وزير الى مدير أهم جريدة في تاريخ الصحافة اللبنانية طوال سبعة عقود.
القاسم المشترك الآخر ان اهل الحزن رفعوا شعار laquo;احب الحياةraquo; كنقيض للشعار الذي يرفعه الفريق الآخر، وهو ثقافة الشهادة. الفريقان لهما شهداء: واحد بالاغتيال وواحد بالتطوع. وبين الاثنين هناك الشهيد الاكبر: لبنان. فهو بلد حزين يراد له ان يموت فداء الجميع. اخذته المقاومة الفلسطينية الى الحرب بعدما رمى جميع العرب سلاحهم، وتسببت في احتلال جنوبه. وأخذته المقاومة الاسلامية الى القتال فيما العرب خارجون من مدريد واصلون الى واشنطن ضاربون الخيام في اوسلو.
وكلما تذمر لبناني من حاله هبت عليه جميع الاصوات القومية والوطنية: خائن انعزالي وعميل. ولذلك يجب ان يقتل هذا الخائن الانعزالي العميل علنا ولا يسمح له بمجلس عزاء. وإذا تجرأ وطالب بمعرفة قاتله فهو ليس خائنا فقط، بل وقح ايضا. ثم انه متهتك داشر يحب بلده ويحب الحياة فيه.
خرج اللبنانيون يتذكرون رفيق الحريري دون ان يحضر احد منهم جنازة طالبة كانت قبل يوم ذاهبة الى مدرستها في عين علق. او ان يعود الجرحى الذين فقدوا اطرافهم في حافلة فقيرة مسكينة كل ذنبها انها كانت تنقل الفقراء قبل يوم من ذكرى رفيق الحريري. وهناك من لا يريد ان يتذكرها. لقد قتل الحريري من اجل ان ينسى لا من اجل ان يذكر.
خلاصة المشهد اللبناني كله هي حافلة او حافلتا عين علق. بلد ممنوع من الاقامة في بلده وممنوع من الحياة في حدوده، والتفاوض على مصيره يجري دائما في الخارج. وكما كان لبنان ذات مرحلة جزءا مفصليا في الحرب الاميركية ـ السوفياتية يجد نفسه اليوم عنوان التغيير في متغيرات المنطقة. رهينة صغيرة يموت اهلها في الحافلات التي تنقل الفقراء الى المدارس، ولا يحق لأحد ان يعرف اسم القاتل او عنوانه. لذلك قال غسان تويني ان قاتل ابنه هو اسرائيلي. وقد ينسى غسان تويني ان ابنه قتل، لكنه لن ينسى ان ابنه صور في التظاهرات في ثوب حاخام. هذا أمر لن ينساه أب بدأ حياته السياسية رفيقا لأنطون سعادة في تأسيس الحزب السوري القومي. ولن ينسى غسان تويني انه اعطى ابنه اسم جده جبران لأن جبران تويني الجد مات وهو يلقي خطابا عن فلسطين وان فلسطين كانت اخر كلمة قالها. ولن ينسى انه سمى ابنه الاصغر مكرم على اسم الزعيم العربي الاستقلالي مكرم عبيد. وبالتالي لن يصدق ان احدا يمكن ان يقتل جبران تويني، سوى اسرائيل. حزين لبنان. ومسكين لبنان. جنازات وذكرى جنازات.
التعليقات