عبد الرحمن الراشد


انقسم الناس بين مصدق ومكذب لرواية السيدة العراقية التي قالت إن أفرادا في قوة عراقية قاموا باغتصابها. والغريب أن الحكومة نفسها انقسمت بين التأييد والنفي، وبين شيعي وسني، كما يبدو الحال عليه في كل القضايا العراقية اليوم.

ولا أود أن أقع في فخ المعسكرات، مؤيدا أو نافيا، لكن الأكيد أن رئيس الوزراء وآخرين وقعوا في خطأ كبير عندما كذبوا المرأة بدون أن يكلفوا أنفسهم إجراء التحقيق من قبل لجنة مستقلة ومحترمة عند الجميع، والانتظار إلى حين إعلان الحقيقة. أما القول بان المرأة اختلقت القصة قبل أن يحقق في روايتها، ففيه موقف سياسي لا يجوز تبنيه في قضية أخلاقية وإنسانية وعاطفية وكذلك هي جريمة سياسية. وجاء الجدل في وقت كانت محكمة عسكرية اميركية قد نطقت بمائة سنة سجن على عريف في الجيش الامريكي لمشاركته في اغتصاب فتاة عراقية وقتلها. كما حكمت قبل ذلك على جندي آخر اعترف هو الآخر بالسجن لمدة 90 عاما. ورغم نفي المتهمين إلا أن التحقيق اثبت صحة الدعاوى ضدهما وأخيرا اقرا بذنبهما.

فاحتمالات أن يقوم أفراد في الجيش، في ظروف قتالية، بارتكاب جرائم ليس بالأمر الجديد أو المستغرب، وبالتالي نفي الحادثة فقط حراسة لسمعة الجيش، أو لان المرأة سنية، أو لان بعض السنة على خلاف مع النظام السياسي الحالي فيه إنكار لطبائع الأمور. لماذا لم يخرج رئيس الوزراء ويعلن عن تشكيل لجنة للتحقيق في الأمر ومعاقبة المتهمين، إن ثبتت عليهم، بدل التعجل في تحدي روايتها واعتبارها قصة مختلقة؟

وربما لا يفهم بعض المسؤولين في الحكومة العراقية أن رواية السيدة، رغم سلبياتها، قد تكون مدخلا جيدا لإصلاح العلاقة، والتأكيد على أن الحكومة للجميع، ومستعدة لمعاقبة اقرب الناس إليها ان ارتكبوا جرائم بحق أي كان. الحادثة أعطت الحكومة فرصة ولم تتحداها، سواء كانت المرأة كاذبة وجزءا من حملة لتشويه سمعة النظام والجيش، أو كانت بالفعل ضحية لزمرة من العسكر. الحكومة العراقية لم تعط مواطنتها العراقية ما أعطاه الاميركيون لمثلها، فرصة التحقيق والمحاكمة العادلة. لهذا صدمنا مرة أخرى في قدرة القيادة السياسية في بغداد على التعامل مع مواطنيها في اخطر ايامهم. فهي لم تبال بالرسالة التي قد توجهها ضد السنة في العالم بإعدام صدام في يوم عيدهم، ولم تقدم ولا مرة واحدة من مجرمي الميلشيات الشيعية للمحاكمة على الملأ كما فعلت مع مجرمي مواطنيها السنة، وهي اليوم تستعجل بتكذيب امرأة سنية تصرخ وتستنجد بأنها اغتصبت وتريد تطبيق العدالة. ألا يرى رئيس الوزراء انه لا يستطيع أن يكسب السنة بهذا التجاهل والتحدي الذي ينظر إليه في الداخل والخارج كاحتقار متعمد لهم؟

نحن نقولها لحكومة المالكي من قبيل الحرص على حماية العراق وإعطاء النظام فرصته التي يستحقها لأن يكون قويا ومستقرا ومحترما وعراقيا لكل العراقيين في وجه الحملة التي تشن ضده. وبكل أسف القيادة السياسية العراقية لا تريد، أو لا تهتم بذلك، رغم خطورة الانزلاق من الشك إلى العداء والاستعداء الشامل دونما ضرورة لذلك.


[email protected]