الخميس 1 مارس 2007
ديفيد سنجر
يأتي الهجوم الانتحاري الذي نفذ يوم الثلاثاء الماضي بالقرب من البوابة المؤدية إلى القاعدة الأميركية الرئيسية في أفغانستان خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ليذكرنا بالدافع القوي الذي حدا بالرئيس بوش لإرسال نائبه إلى أفغانستان والمتمثل، بلا شك، في تنامي مشاعر القلق إزاء صعود laquo;طالبانraquo; وتنظيم laquo;القاعدةraquo;. المسؤولون الأميركيون أصروا، من ناحيتهم، أن الهجوم الذي نفذه شخص انتحاري بتفجير نفسه على بعد ميل واحد من مكان تواجد نائب الرئيس لا يكتسي سوى أهمية رمزية. فقد نجح الهجوم في لفت انتباه وسائل الإعلام والظهور في عناوين الصحف وعلى شاشات التلفزيون أكثر من إلحاق الضرر بديك تشيني. ومع ذلك يكشف الهجوم الانتحاري أن حركة laquo;طالبانraquo; وتنظيم laquo;القاعدةraquo; أصبحا أكثر جرأة على شن الهجمات مما كانا عليه في السابق قبل خمس سنوات عندما غزت القوات الأميركية أفغانستان، وعندما أعلن الرئيس بوش أنه قضى على معظم قادتهما. وبالطبع ساهم الهجوم الانتحاري في تأجيج النقاش الدائر حول من يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان.
فالقادة الذين التقى بهم ديك تشيني خلال المهمة التي حملته إلى باكستان وأفغانستان أبدوا عجزاً واضحاً في السيطرة على الوضع الأمني ووضع حد للفوضى المتغلغلة في البلاد. وبدل الانكباب على حل المشاكل العالقة انخرط هؤلاء القادة في تبادل الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية. ومن وجهة نظر تشيني كان الهجوم الانتحاري مناسبة للإرهابيين لتأكيد حرصهم laquo;على إضعاف الحكومة المركزيةraquo;، وجادل بأن ذلك يحتم على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لدعم الحكومة والشعب الأفغانيين. لكن المنتقدين اعتبروا، من جهتهم، أن الهجوم ما هو سوى دليل آخر على التأثير السلبي للانكباب على العراق في صرف انتباه الإدارة الأميركية عن إنهاء المهمة في أفغانستان. يذكر أن الهجوم الذي بلغ مسامع تشيني وهو داخل قاعدة laquo;باجرامraquo; الأميركية في أفغانستان خلف 23 قتيلاً على الأقل يوجد من بينهم جندي ومتعاقد أميركيان، بالإضافة إلى جندي من كوريا الجنوبية. وقد لقي 20 مواطناً أفغانياً حتفهم في التفجير من بينهم طفل لم يتجاوز الإثنتي عشرة سنة.
وحتى بعد أن غادر نائب الرئيس ديك تشيني أفغانستان مساء يوم الثلاثاء الماضي عائداً إلى الولايات المتحدة ظل السؤال العالق حول ما إذا كان الانتحاري يعلم مسبقاً بوجود نائب الرئيس الأميركي في قاعدة laquo;باجرامraquo; لدى تنفيذه للهجوم. وفي هذا الإطار صرح أحد المسؤولين العسكريين في القيادة الوسطى الأميركية التي تشرف على العمليات في أفغانستان أن منفذ الهجوم لم يكن على علم بوجود نائب الرئيس ديك تشيني ساعة القيام بالهجوم الانتحاري. أما في واشنطن فقد أكد المسؤولون الأميركيون أن المعلومات الاستخباراتية لم ترصد أي تهديد ضد تشيني بسبب السرية التي أحيطت بها زيارته إلى أفغانستان بعد زيارة سرية أخرى قام بها إلى باكستان يوم الإثنين الماضي. لكن ذلك لا ينفي احتمال تسرب أنباء عن زيارته لأفغانستان بعد تأجيل اجتماع له كان مقرراً عقده مع الرئيس حامد كرزاي بسبب عاصفة ثلجية ضربت العاصمة كابول. وقد قرر تشيني على إثرها البقاء داخل القاعدة العسكرية laquo;باجرامraquo;، وهو ما أذاعته المحطات الإذاعية المحلية ونقلته مواقع الإنترنت.
يشار إلى أن الهجوم الذي وقع في المحيط الذي يفصل بين بوابة القاعدة الأميركية وأول نقطة تفتيش نفذ في تمام الساعة العاشرة صباحاً من يوم الثلاثاء الماضي. وحسب مسؤول في الإدارة الأميركية وتقدير أولي عن الحادث laquo;لا يبدو أن الهجوم كان منظماً على نحو جيدraquo;. فقد استطاع الانتحاري اجتياز نقطة أولى للتفتيش يشرف عليها جنود أفغان، لكنه أوقف في نقطة ثانية للتفتيش يشرف عليها الجنود الأميركيون الذين يقومون بمراقبة الشاحنات. ووفقاً لما صرح به الرقيب laquo;كريس فليتشرraquo;، المتحدث باسم العمليات العسكرية في أفغانستان أثناء لقاء هاتفي، لم يتمكن الانتحاري laquo;من الولوج إلى الحلقة الأمنية الداخليةraquo;. ويشير كلام الرقيب الأميركي إلى أن الطوق الأمني المضروب حول القاعدة العسكرية laquo;باجرامraquo; حال دون وصول هجمات laquo;طالبانraquo; وraquo;القاعدةraquo; إلى داخل القاعدة.
ومع ذلك لم تستطع الإجراءات الأمنية المشددة ولا الانتشار الكثيف لقوات حلف شمال الأطلسي في العاصمة كابول وضع حد للهجمات المتكررة التي تشنها laquo;طالبانraquo; على القوات الأفغانية. فقد تصاعدت أحداث العنف بوتيرة متسارعة تجلت خصوصاً في الهجمات الانتحارية التي بلغت في العام الماضي حوالي 140 هجوماً، مذكراً بالفوضى الأمنية التي يشهدها العراق. وفي هذا الإطار وجه المراقبون انتقادات حادة للإدارة الأميركية بسبب اهتمامها بالعراق على حساب أفغانستان، وهو ما أدى في نظرهم إلى تردي الوضع الأمني وتصاعد أعمال العنف. وتفادياً للهجمات المرتقبة لـlaquo;طالبانraquo; خلال فصل الربيع القادم رفعت الولايات المتحدة من عدد قواتها في أفغانستان إلى 26 ألف جندي، بالإضافة إلى زيادة أخرى في القوات تصل إلى 20 ألف جندي يوفرها حلف شمال الأطلسي. وتكشف مشاهد الدمار التي تحيط بالقاعدة الأميركية في laquo;باجرامraquo;، فضلاً عن عدم خروج نائب الرئيس ديك تشني من القاعدة واكتفائه بأخذ الطائرة من وإلى أفغانستان ، عن البون الشاسع الذي يفصل بين الواقع المتردي والأهداف التي حددها الرئيس بوش قبل خمس سنوات. ففي تلك الفترة استحضر الرئيس بوش ذكرى الجنرال laquo;جورج مارشالraquo;، الرجل الذي تولى إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شدد على أن laquo;حكومة مستقرةraquo; وraquo;جيشاً وطنياًraquo; قادران على إحلال الأمن والسلام في أفغانستان.
التعليقات