ساطع نور الدين
لم يعد الامر مجرد مناورة او مزحة: قرر وزراء الخارجية العرب رسميا في اجتماعهم الاخير في القاهرة الاحد الماضي وضع خطة استراتيجية لاقامة برنامج نووي عربي، واحالوا القرار على القمة العربية العادية المقررة في السعودية في 28 آذار الحالي، لكي تتولى بنفسها الاعلان للعالم كله ان الامة ترغب اخيرا في ان تخرق حاجز التكنولوجيا وان تصبح امة نووية، وربما ان تنتج في ما بعد القنبلة التي ترهب بها عدو الله..
كل شيء يوحي بان القرار الوزاري المثير اتخذ عن سابق تصور وتصميم، وبان الزعماء العرب لن يترددوا على الارجح في المصادقة عليه بالاجماع، بخلاف بقية مشاربع القرارات المطروحة على قمة الرياض المقبلة، والتي لا تقل اهمية وخطورة عن ذلك الطموح النووي المفاجئ.
قد يكون القرار المفاجئ مجرد تعويض مسبق عن صعوبة توصل قمة الرياض الى موقف عربي موحد من أي من القضايا المعروضة على الزعماء العرب، بدءا من العراق وصولا الى فلسطين، مرورا بلبنان الذي كان ولا يزال يمكن ان يتسبب بمشكلة عربية جدية، لاحت بوادرها في الجدل الذي شهده الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة حول البند الخاص بالمحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لكن المسألة النووية العربية هي من الجدية بحيث يصعب وضعها في هذا السياق، لانها تمثل انتقالا خاطفا بالزمن العربي، بعد محاولات سابقة، مصرية وعراقية محدودة، طواها النسيان، وباتت أي مقاربة لذلك الملف تتطلب البدء من نقطة الصفر، أي من نقطة القرار السياسي الذي يؤكد ان اكتساب المعرفة والتقنية النووية هو من ضرورات العصر لاي امة او لاي دولة مهما كان حجمها.
الغريب الوحيد في هذا القرار السياسي هو انه يتعارض تماما مع احوال الامة، التي تعيش واحدة من اسوأ مراحلها التاريخية، حيث تتهاوى فكرتها الجامعة، وتتوزع دولها بين الاحتلال الاجنبي المباشر وبين الصراع الاهلي الفعلي، وتكاد مؤسساتها الحاكمة تشبه قلاعا آيلة الى السقوط، لولا بعض الامن والاستخبارات وكلاهما يدار من الخارج او يعمل لحساب الخارج.
مع ذلك فانه طموح جذاب جدا، حتى لو لم تكن هناك دول مستقرة ومتطورة تدعمه، وحتى لو كان الهدف منه الخضوع لشكل جديد من الابتزاز من جانب اميركا التي استنفدت صفقات السلاح الضخمة وغير الضرورية مع مختلف البلدان العربية الحليفة، ولم يبق لديها ما تسوقه في المرحلة المقبلة سوى المفاعلات النووية الباهظة الثمن.
يصعب التكهن في ذلك القرار العربي باستكشاف الذرة وعلومها ومشتقاتها، انه يستهدف توجيه رسالة تحذير الى ايران من مغبة الشروع في سباق تسلح نووي، لان طهران لن تتردد في هذه الحالة في المضي قدما نحو انتاج القنبلة، كما يستحيل التصور ان القرار يستهدف تحقيق نوع مع التوازن مع اسرائيل التي تمتلك مئتي رأس نووي، لان مثل هذه الخدعة لن تنطلي على الاسرائيليين بقدر ما ستنطلي على العرب انفسهم.
- آخر تحديث :
التعليقات