جهاد الخازن

أقترح على القارئ أن يضع اسم ديك تشيني مكان لويس (سكوتر) ليبي ليفهم الحكم الصادر على المدير السابق لمكتب نائب الرئيس الأميركي، فالادانة كانت لتشيني أكثر منها لمساعده.

المحلفون قضوا عشرة أيام في مداولات مستمرة مضنية قبل اعلانهم ادانة ليبي في أربع تهم من خمس، فقد وجدوه مذنباً بالادلاء ببيانات كاذبة لمكتب التحقيق الفيديرالي (أف بي آي) والكذب على المحلفين وعرقلة التحقيق في تسريب اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلام، وبرأوه من الكذب على laquo;أف بي آيraquo; في حديث مع مراسل لمجلة laquo;تايمraquo;.

كان ليبي في قفص الاتهام غير أن تشيني حوكم عبره، فنائب الرئيس هو الذي قاد حملة الحرب على العراق، ثم حملة تشويه سمعة معارضيها وتسريب معلومات مضللة عن أميركيين حاولوا أن يقولوا ان أسباب الادارة للحرب مبالغ فيها أو ملفقة.

وباختصار، فقد أرسل جوزف ولسون، وهو سفير سابق، الى النيجر ليحقق في معلومات عن محاولة العراق شراء يورانيوم، أو ما عرف بالكعك الأصفر من هناك، وعاد ولسون بتقرير يقول ان القصة مختلقة، وهو ما أكده في وقت لاحق أخونا محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية.

وبقيت ادارة بوش على عنادها، فيورانيوم النيجر حجة أخرى بيدها في تبرير شن حرب على العراق، والرئيس بوش ضمّن اشارة الى ذلك في خطابه عن حالة الاتحاد في كانون الثاني (يناير) 2003، ولا تزال 16 كلمة كاذبة في الخطاب عن الموضوع تلاحقه حتى اليوم. وكان أن ولسون كتب مقالاً في صفحة الرأي في laquo;نيويورك تايمزraquo; فضح فيه الموضوع، ورد ديك تشيني تحديداً بملاحظات على هامش المقال فهم منها ليبي أن المطلوب معاقبة ولسون.

عندما كتبت عن الموضوع قبل أسبوعين سجلت رأياً معروفاً في واشنطن هو أن العقاب عادة لا يتناول الجريمة الأصلية، وإنما محاولة تغطيتها، كما حدث في فضيحة ووترغيت. وشمل هذا المبدأ محاكمة ليبي فهو لم يتهم بتسريب اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلام، زوجة ولسون، وإنما بالكذب وعرقلة التحقيق.

ليبي من عصابة المحافظين الجدد، ومن أشد أعضائها تطرفاً، وأنا اعتبره عميلاً اسرائيلياً، قبل أن يكون مواطناً أميركياً، فقد سعى مع laquo;الاسرائيليينraquo; في الادارة وحولها لشن حرب على العراق، خدمة لاسرائيل، وهو لو بقي في عمله لكان اليوم من ضمن المجموعة التي تسعى الى حرب على ايران وللأسباب نفسها.

ديك تشيني هو رئيس هذه العصابة مع أنه ليس من laquo;اسرائيلييraquo; الادارة، وإنما تدفعه أحلام الامبراطورية.

هو يستحق أن يحلم في السجن بعد أن يدان بتهمة التواطؤ في قتل 650 ألف عراقي وتدمير بلدهم. غير أن دم المسلمين مستباح هذه الأيام، وأتصور أنه لو حوكم تشيني يوماً فستكون محاكمته على أساس مخالفة قوانين أميركية، وتهم من نوع ما واجه ليبي نيابة عنه، فهذه على ما يبدو أهم من دماء مئات ألوف المسلمين.

أتوقف هنا لأقول انني كنت قبل أسبوعين أسجل ملاحظات على أداء ديك تشيني بعد أن قام بجولة في منطقتنا، فقد لاحظت أنه يحمّل الحكومة العراقية مسؤولية الفشل الأميركي في العراق، وحكومة باكستان، مسؤولية فشل قوات التحالف في مواجهة عودة laquo;طالبانraquo; بقوة الى مناطق الحدود، وسيطرتها على مناطق واسعة من افغانستان.

غير أن الحكم على ليبي سبق ملاحظاتي الأخرى، والحرب المدمرة على العراق لم تكن خطأ يمكن تبريره، وإنما جريمة عن سبق تصوير وتصميم، لأسباب الأمبراطورية ومصالح اسرائيل، وتعامل ادارة بوش مع معارضي الحرب لا يترك مجالاً للشك في الاصرار على ارتكاب الجريمة وحماية المجرمين.

وأختتم بشيء من جولة تشيني يعكس غطرسة الادارة الأميركية كلها، ومحاولتها فرض سياستها على بقية العالم، وليس على العرب والمسلمين وحدهم.

ديك تشيني انتقد زيادة الصين إنفاقها العسكري، وهذا زاد فعلاً، ففي سنة 2007 بلغ 44.94 بليون دولار، بزيادة 17.8 في المئة عن السنة السابقة.

تستطيع أي دولة أوروبية أن تنتقد الصين، ولكن كيف تنتقدها الولايات المتحدة ومجموع إنفاقها العسكري سنة 2006 بلغ 419.3 بليون دولار، أي أكثر من ثمانية أضعاف إنفاق الصين التي يبلغ عدد سكانها أربعة أضعاف الأميركيين.

الولايات المتحدة تنشر قواتها العسكرية حول العالم، كما لا يفعل أي بلد آخر، وتحتل وتقتل وتهدد، ثم تحتج على الصين أو غيرها، بل تتهم ايران وقوات أميركية على حدودها، وكما لو أن الايرانيين يرابطون على حدود المكسيك ويهددون تكساس وأريزونا.

اذا حوكم ديك تشيني يوماً فيجب أن يحاكم بتهم تعكس حجم الجرائم التي ارتكبت ضد شعب العراق ومستقبله، لا مخالفة قوانين محلية أميركية، ولعل ادانته تنهي مشاريع أمبراطورية تسير عكس مسيرة التاريخ.