خمسة آلاف مراهق مسلح يسقطون الهراوات من أيدي الشرطة ويضعون السلاح


لندن - ربعي المدهون



كان قطار أوربنغتون، الذي انطلق من محطة فيكتوريا في وسط لندن، في الساعة التاسعة واثنتين وعشرين دقيقة من مساء الثلاثاء 20 فبراير (شباط) الماضي 2007، قد توقف في محطة ويست دوليتش، قرابة التاسعة والنصف، قاطعا نصف المسافة الى محطته الأخيرة، عندما سمع ركاب احدى العربات أصوات مشاحنة كلامية، انتهت بإلقاء رجل في الحادية والستين من عمره خارج العربة. سقط الرجل على رصيف المحطة فاقد الوعي مصابا بجروح في رأسه، بينما تناثر ما كان يحمله من أغراض على الرصيف.
يعتقد الرجل، الذي لم تكشف مصادر الشرطة في حينه عن اسمه، أن ثلاثة شبان أحاطوا به وتحرشوا به كلاميا، ثم انهالوا عليه لكما وأسقطوه أرضا، قبل ان يحملوه ويلقوا به الى الخارج.

القت الشرطة القبض على شاب من منطقة بريكستون (19 عاما)، وتابعت البحث عن شابين آخرين متورطين في الحادث، الذي اعتبر laquo;تهديدا بالقتلraquo;.

في الليلة نفسها، كان المراهقون الأربعة، كريستوفر مورفي، ومايكل هاند، وستيف اتلي، وغرايم سلافين، قد بدأوا ليلتهم الأولى في السجن، بعد صدور أحكام عليهم لمدد تتراوح بين 17 و24 عاما، لقتلهم بطريقة وحشية وعلى خلفية عنصرية، محمد بارفايز (41 عاما)، وهو أب لثلاثة اطفال، من اصل آسيوي، وكان يعمل سائق سيارة اجرة.

قبل اصدار الحكم على المراهقين الأربعة، كانت الشرطة قد بدأت دوريات مسلحة في شوارع مناطق جنوب لندن، اثر سلسلة حوادث اطلاق نار متعمد متفرقة، وقعت خلال 11 يوما، وخلفت ثلاثة قتلى من المراهقين أيضا، كان آخرهم، في حصيلة شهر فبراير، بيلي كوكس (15 عاما)، الذي اطلقت عليه النار في منزله في عيد الحب (عيد فالنتاين 14 فبراير). وكان جيمس آندري ـ سمارت فورد (16 عاما)، قد قتل في حلبة تزلج في منطقة ستريثام في 3 من الشهر عينه. كما اطلق مسلحان النار على مايكل دوسنمو في منزله في منطقة بيكام، بعدها بثلاثة ايام فقط، وقتل على الفور.

لم تكن حادثتا القاء رجل من عربة قطار، ومقتل بارفايز، الأبرز او الأكثر اثارة للدهشة والاستنكار في الاوساط اللندنية والبريطانية عموما، مما وقع في الشهور الأخيرة، فالشاب جون ليدلوه، لم يتردد في أن يعلن بلا خوف او خجل، انه laquo;راغب في قتل جميع السود في البلادraquo;. وقام بمطاردة ركاب وإطلاق نار وقتل داخل قطارات الأنفاق (مترو) في لندن، في عمليات تتفوق على مشاهد المطاردة والقتل العشوائي في افلام بوليسية. وقد ثبت قيام جون في 22 فبراير الماضي، بإطلاق النار على اثنين من السود بعد أسابيع من ادانته بأعمال عنف عنصرية. وكان ليدلوه لم يزل تحت المراقبة عندما اخذ يطلق النار ببهجة في مايو (ايار) من العام الماضي. أحد ضحاياه كان ابو كمرة (44 عاما)، وهو اب لثلاثة ابناء لم يزل يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، بعد إصابته برصاصة استقرت في حلقه نهائيا. اما ما استدعى الحادث المأساوي، فقد كان مثيرا للدهشة لسخافته. فقد لامست حقيبة ابو كمرة ساق أحد أصدقاء جون، بينما كانوا يسيرون في شارع في آيسلنغتون احدى ضواحي شمال العاصمة لندن. بعد ذلك بنصف ساعة فقط، أطلق جون النار على إيما شريدان (26 عاما) في محطة انفاق فنسبري بارك، وأصابها برصاصة في الظهر، تمكن طالب طب من اخراجها، قبل نقل المصابة الى المستشفى. ومع ان اعداد القتلى بالرصاص في منطقتي انجلترا وويلز تراجع بحدة العام الماضي من 77 الى 49 حالة، الا أن مشاعر الخوف من تورط أعداد أكبر من المراهقين في أعمال قتل مسلحة، وانتشار ثقافة السلاح في صفوفهم، أخذت تتزايد في اوساط الشرطة البريطانية والمواطنين عموما. فأعمار مرتكبي حوادث القتل، التي وقعت خلال العام الماضي وحتى الآن، تتراوح بين 16 و25 عاما، اما الضحايا فهم من بين الأصغر سنا وأغلبهم من السود. يشجع على ذلك تزايد معدلات تهريب السلاح وتدني أسعاره وسهولة الوصول اليه بالنسبة للمراهقين، الذين غالبا ما يستخدمونه بعبثية واستهتار، إذ يمكن الحصول على قطعة سلاح صغيرة بما لا يتجاوز الخمسين جنيها.

وحسب صحيفة laquo;الغارديانraquo; (16 فبراير 2007)، أشار مختصون بجامعة بورتسموث، أجروا مقابلات مع 80 شخصا ادينوا بجرائم قتل، إلى ان نصف هؤلاء كانوا اعضاء في عصابة، وأن أغلبهم تعرف على عصابة ما. وقد حددوا أربعة انواع من العصابات التي تعمل في شوارع لندن:

العصابة المكونة من اصدقاء مقربين توفر الأمان لأعضائها، وتشكل سندا لهم. وغالبا ما يكون اعضاء هذه المجموعة قد تعرفوا على بعضهم في مراحل الدراسة، او ممن نشأوا في الحي نفسه.

المتعاونون ممن يعرفون بعضهم لكنهم ليسوا بأصدقاء. وهم يتحركون كفريق، ولم يلتحقوا بكلية او جامعة، يدخنون الحشيش ويلاحقون الفتيات ويرتكبون مستوى متدنيا من الجرائم.

عصابات الجريمة، ممن يركزون على انشطة معينة، مثل مراقبة سوق بيع المخدرات، او ادارة عمليات السطو المسلح على البيوت، وارتكاب جرائم اخرى. ويتورطون احيانا في نزاعات مع مجموعات اخرى منافسة في سوق المخدرات. وهم يتحملون كمجموعة مستوى معينا من المسؤولية الجماعية.

شبكات الجريمة المنظمة، المتورطون، على الدوام، في الاتجار بالمخدرات، السطو المسلح، وأعمال تبدو في ظاهرها قانونية.

تتأسس ثقافة العنف بقوة في منطقتي برمنغهام ومانشستر، وتنتشر بدرجات أقل في اماكن اخرى في بريطانيا. وحسب أبحاث نشرتها وزارة الداخلية البريطانية، تشهد مناطق شمال لندن تنافسا بين عصابات تطلق على نفسها laquo;توتنام مان ديمraquo;، وlaquo;هاكني بويزraquo;. وتبدو الصورة اكثر تعقيدا في جنوب لندن، حيث يدور صراع وتنافس عنفي بين العصابات في مناطق بريكستون وبيكام ونيو كروس، بينما تشهد المناطق الثلاث المتنافسة صراعات داخلها بين العصابات المحلية. ويقول تقرير نشرته الشرطة، إن العدد الأكبر من العصابات يوجد في محافظات مثل وولثام فوريست، وهاكني، وبرنت ولامبيث، وواندسوورث. وحسب التقرير، فإن مجموعات البريطانيين من اصل كاريبي تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد أفرادها، تليها مجموعات جنوب آسيا، ثم مجموعات البيض. ويوجد معظم هذه المجموعات حيث يعيش افرادها. وتقدر مصادر الشرطة عدد افراد عصابات الشوارع في العاصمة لندن وحدها بأكثر من خمسة آلاف. حقا انهم اشبه بميليشيات تنافس الشرطة المحلية في السيطرة على الشوارع.

لقد أدت التطورات الأمنية الأخيرة الى انتشار رجال الشرطة المسلحين في شوارع مناطق جنوب لندن، واضعين حدا لصورة بريطانيا التقليدية التي حافظت عليها سنين طويلة: شرطة غير مسلحة إلا بهراوة وجهاز اتصال لاسلكي. الغريب ان سكان المنطقة، الذين يتخذون موقفا مماثلا لبقية البريطانيين يعارض الظهور المسلح للشرطة، استقبلوا هذا التطور بترحيب كبير.

ونفى ناطق باسم وزارة الداخلية البريطانية لـlaquo;الشرق الاوسطraquo;، ان تكون للحكومة يد في قرار نشر رجال الشرطة المسلحين في شوارع بعض المناطق، وقال laquo;إن هذا الأمر عائد للشرطةraquo;. غير أن مصدرا في شرطة لندن (ميتروبوليتان بوليس) الذي اتصلت به laquo;الشرق الأوسطraquo;، قلل من شأن ازدياد وجود شرطة مسلحة في لندن. وقال: laquo;ليست هناك زيادة في اعداد الشرطة المسلحة، بل نشر لعناصر منها في المناطق الحساسة، ويجري التركيز حالياً على جنوب لندن، حيث ارتفع معدل الحوادثraquo;. وأضاف: laquo;نقود عمليات مبنية على معلومات محددة، ونستخدم كل المصادر المتاحة لإنجاح عملية (نيون) التي تستهدف القضاء على الجرائم المرتبطة بالأسلحة. هذه العمليات، التي تقودها شرطة مسلحة، سوف تتواصل إذ لا موعد محددا لإنهائهاraquo;.

وكشف استطلاع لـlaquo;الغارديانraquo;، ان 80% ممن جرى استطلاع آرائهم يجمعون على أن انهيار الأسرة وتمزقها بسبب حالات الطلاق والانفصال بين الوالدين، بالإضافة الى سوء التصرف والسلوك داخل المنزل نفسه، مسؤولان جزئيا عن انتشار ثقافة العنف في المجتمع عموما. وقال حوالى 78% ان جزءا من المشكلة يعود الى فشل المدارس في وضع حدود واضحة بين ما هو صحيح وما هو خاطئ. بالإضافة الى نسبة اخرى اعتبرت ان تغيرات اجتماعية واسعة أقوى خارج نطاق الأسرة، يمكن ان تحدث تغييرا في الوضع. وأخيرا، قال 54% من المستطلعين، ان على الشرطة ان تلعب دورا أكبر في جعل الحصول على السلاح اكثر تعقيدا. غير ان مثل هذه الاسباب لا يشكل اكثر من ارضية صالحة لنثر بذور العنف وثقافة السلاح التي تثمر، لاحقا، اعدادا اكبر من متعاطي المخدرات من الشباب ممن يتورط بعضهم في الاتجار بها ايضا. فقد كان بيلي كوس الذي قتل في منزله في عيد الحب، من بائعي المخدرات، وقتل على يدي منافس له يعرفه حق المعرفة. ولم تكن حادثة القتل التي وقعت في منطقة هاكني بتاريخ 17 فبراير، سوى نموذج آخر لتنافس تجار الكوكايين هذه المرة.

يزداد شعور المجتمع، ودوائر الشرطة والحكومة اكثر، بخطورة اتجاه الشباب المتزايد نحو العنف. وقد كشفت صحيفة laquo;متروraquo; يوم 21 فبراير 2007، عن استخدام عصابات الشوارع مواقع على شبكات الانترنت للإعلان عن نفسها، وتجنيد اعضاء جدد لعصاباتها. وينشر هؤلاء افلام فيديو على مواقع تبث من laquo;يو تيوبraquo; وlaquo;ماي سبيسraquo; تظهرهم يلوحون بالبنادق والأسلحة، يتعاطون المخدرات، وينطلقون بسرعات كبيرة بسيارات قوية عبر شوارع ضواحي المدينة. وحسب laquo;متروraquo;، فإن نشر مثل هذه الصور والأفلام، يهدف الى اظهار التحدي لعصابات منافسة، او بعث رسائل معينة لها. laquo;غير ان الصبية الابرياء والسذج سرعان ما يقعون ضحية لها، ويغرقون فيهاraquo;.