الأربعاء 21 مارس 2007

د. حسن مدن


بعد شهور من انتخاب مجلس النواب البحريني الجديد أنفقها في مطالعات غير جوهرية ولا تتصل بالمهام الفعلية الملقاة على عاتقه، المتصلة بالأوضاع المعيشية للمواطنين ومحاربة مظاهر الفساد المتفشي في الأجهزة الحكومية، أو بمقاربة قضايا تطوير الإصلاح السياسي وتعزيز عملية البناء الديمقراطي، شكل المجلس أولى لجان التحقيق، ولكن المفاجأة التي أذهلت شرائح واسعة في المجتمع كانت أن الهدف من وراء تشكيل هذه اللجنة هو التحقيق في أنشطة مهرجان ربيع الثقافة التي تشهدها البحرين هذه الأيام، في الدورة الثانية لهذا المهرجان السنوي الذي بدأ في العام الماضي.

وكان جدل قد أشعلته بعض القوى في المجتمع وفي مجلس النواب، على خلفية عرض موسيقي غنائي راقص افتتح به المهرجان للموسيقي مارسيل خليفة مستوحى من نص شعري طويل للشاعر البحريني قاسم حداد الذي شارك هو نفسه في العرض بإلقاء مقاطع من هذا النص الذي يقدم قراءة أخرى لحكاية الحب المعروفة في تراثنا العربي: ldquo;مجنون ليلىrdquo;.

وكان هذا الجدل موضوع مناقشات مطولة في الصحافة المحلية خلال الأيام الماضية، التي انتصر غالبية كتاب الرأي فيها لحرية الثقافة والفنون في البلد، ورأوا أن ردة الفعل ضده هي حملة مفتعلة غير مبررة، وأن ما رآه البعض خدشاً للحياء العام أو مساساً بالتقاليد المرعية في المجتمع، هو أمر مألوف في الرقصات المشابهة التي تحاكي رقصات الباليه التي تقدمها مختلف الفرق على مسارح العالم، بما في ذلك في البلدان العربية، ورأى الكثيرون في هذه الحملة مسعى يبعث على القلق لتنميط المجتمع كله بنمط واحد من السلوك، فضلاً عن كونه يعكس انحراف السلطة التشريعية عن مهامها الحقيقية لتكون أداة حجر ورقابة على المجتمع، وخاصة على الثقافة فيه، في بلد عرف بعراقة اتجاهات الانفتاح والتنور فيه منذ مطالع القرن العشرين، بدل أن تتوجه، أي السلطة التشريعية، نحو ممارسة الرقابة على سوء الأداء الحكومي في مجالات التنمية وفي طرق التصرف بالمال العام، ونحو حماية الحريات العامة والخاصة في المجتمع، بدلا من محاولات الحجر عليها، وحمل المجتمع قسراً على قبول أشكال من نمط المعيشة لم يعتدها.

هذا القلق عبرت عنه عريضة وقع عليها ممثلو 54 جمعية سياسية وثقافية وفنية ونسائية وشبابية ومهنية، تشكل قلب ما يمكن وصفه بالمجتمع المدني الحديث، والذي ترسخت مداميكه بجهود كبيرة في سنوات الجمر، يوم كان قانون أمن الدولة مهيمناً على أوجه الحياة المختلفة في البحرين، قبل أن يلغيه الملك حمد بن عيسى في بدايات عهده، وعبرت العريضة التي عنونت بالعنوان التالي: ldquo;دفاعاً عن الثقافة والإبداعrdquo; ونشرت على صفحات كاملة من الصحف الرئيسية في البلاد، عن مساندة ودعم الموقعين عليها لكافة الأنشطة الثقافية والفكرية ذات الرسالة الهادفة إلى التنوير والحداثة والارتقاء بالذوق الفني والأدبي، وإشاعة الفرح والجمال والحب والتسامح، وتأكيد حضور البحرين الحضاري على خارطة العالم الأدبية والفكرية والفنية.

السجال الدائر في البحرين اليوم، والذي تبدو الثقافة محورا له، يعكس مفارقة جديرة بالتأمل، حين يصبح البرلمان المنتخب من الشعب في الموقع المناهض للمجرى الموضوعي للتطور، بدلاً من أن يكون مؤازرا، أو حتى رافعة له.