الجمعة 23 مارس 2007


جورج سوروسـ بروجيكت سنديكيت

مرة أخرى ترتكب إدارة بوش خطأ سياسياً فادحاً في الشرق الأوسط، وذلك بدعمها القوي للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في رفضها لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تضم حماس. فهذا من شأنه أن يمنع أي تقدم على مسار التسوية السلمية، في الوقت الذي قد يساعد فيه إحراز أي تقدم في المشكلة الفلسطينية على منع اندلاع حريق هائل في الشرق الأوسط الكبير.

تسعى الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; إلى التعامل مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فقط، على أمل أن تخسر حماس الأغلبية التي تتمتع بها الآن في المجلس التشريعي الفلسطيني إذا ما انعقدت انتخابات جديدة. وهي استراتيجية محكوم عليها بالفشل، وذلك لأن حماس سوف تقاطع أي انتخابات مبكرة، وحتى لو أدت مثل هذه الانتخابات إلى استبعاد حماس من الحكومة، فلن يتسنى التوصل إلى اتفاقية سلام دون دعم من حماس.

في نفس الوقت تسلك المملكة العربية السعودية مساراً مختلفاً. ففي قمة عقدت في شهر فبراير/ شباط في مكة بين عباس وزعيم حماس خالد مشعل، تمكنت الحكومة السعودية من التوصل إلى اتفاق بين حماس وفتح، بعد المناوشات العنيفة التي كانت بينهما، لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وطبقاً لاتفاقية مكة وافقت حماس على ldquo;احترام القرارات الدولية والاتفاقيات (مع ldquo;إسرائيلrdquo;) الموقعة من قِبَل منظمة التحرير الفلسطينيةrdquo;، بما في ذلك اتفاقيات أوسلو. ويرى السعوديون هذا الاتفاق كمقدمة لطرح تسوية سلمية مع ldquo;إسرائيلrdquo;، تضمنها المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى. ولكن لن يتسنى

إحراز أي تقدم ما دامت إدارة بوش وحكومة إيهود أولمرت ldquo;الإسرائيليةrdquo; على إصرارهما في رفض الاعتراف بأي حكومة وحدة وطنية تضم حماس.

الحقيقة أن العديد من الأسباب التي أدت إلى الطريق المسدود الحالي ترجع إلى قرار رئيس الوزراء ldquo;الإسرائيليrdquo; السابق ارييل شارون بالانسحاب من قطاع غزة بقرار أحادي، بدون التفاوض مع السلطة الفلسطينية التي كانت تسيطر عليها فتح آنذاك. ولقد أدى ذلك إلى تقوية حماس وساهم في فوزها بالانتخابات. وبعد ذلك رفضت ldquo;إسرائيلrdquo;، بدعم قوي من الولايات المتحدة، الاعتراف بحكومة حماس المنتخبة ديمقراطياً، وعلقت دفع الملايين من أموال الضرائب التي جمعها ldquo;الإسرائيليونrdquo; نيابة عنها. ولقد تسبب ذلك في إحداث مصاعب اقتصادية حادة وتقويض قدرة الحكومة على العمل. إلا أن كل ذلك لم يقلل من شعبية حماس بين الفلسطينيين، كما أدى إلى تعزيز موقف المتطرفين الإسلاميين وغيرهم ممن يعارضون التفاوض مع ldquo;إسرائيلrdquo;. ثم تدهور الموقف حتى وصل إلى النقطة التي لم يعد لدى الفلسطينيين عندها سلطة تستطيع ldquo;إسرائيلrdquo; أن تتفاوض معها.

هذا خطأ فاضح، وذلك لأن حماس ليست مؤلفة من كتلة واحدة مصمتة. فما هو معروف عن هيكلها الداخلي قليل بالنسبة لمن هم من خارجها، إلا أنها تمتلك، طبقاً لبعض التقارير، جناحاً سياسياً أكثر استجابة وتفاعلاً مع احتياجات الشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس. وإذا كانت ldquo;إسرائيلrdquo; قد قبلت نتائج الانتخابات، فلربما كان ذلك قد أدى إلى تقوية الجناح السياسي الأكثر اعتدالاً. إلا أنه مما يدعو للأسف أن أيديولوجية ldquo;الحرب ضد الإرهابrdquo; لا تسمح بمثل هذه القدرة على التمييز الدقيق. ومع ذلك فقد أدت الأحداث المتوالية إلى توفير مساحة للاعتقاد بأن حماس أصبحت منقسمة بين توجهاتها المختلفة، فبمجرد موافقة حماس على الدخول في حكومة وحدة وطنية سارع الجناح العسكري إلى تدبير اختطاف جندي ldquo;إسرائيليrdquo;، الأمر الذي أسفر عن منع تشكيل مثل هذه الحكومة بعد أن أدى ذلك التصرف إلى استفزاز رد الفعل العسكري ldquo;الإسرائيليrdquo; الأخرق. ثم استغل حزب الله الفرصة لتنظيم غارة من لبنان، فاختطف عدداً آخر من الجنود ldquo;الإسرائيليينrdquo;. وعلى الرغم من ردة الفعل غير المتناسبة من جانب ldquo;إسرائيلrdquo;، إلا أن حزب الله كان قادراً على الصمود على أرضه، واكتساب إعجاب الجماهير العربية، بصرف النظر عن كون حزب الله شيعياً أو سُنّياً. كانت هذه الحالة الخطيرة التي آلت إليها الأمور -بما في ذلك انهيار الحكومة في فلسطين والقتال بين فتح وحماس- سبباً في تحريك المبادرة السعودية.

يزعم المدافعون عن السياسة الحالية أن ldquo;إسرائيلrdquo; لا تستطيع أن تتفاوض من موقف ضعف. إلا أن موقف ldquo;إسرائيلrdquo; ليس من المرجح أن يتحسن ما دامت مستمرة على مسارها الحالي. والحقيقة أن التصعيد العسكري -الذي لا يستند إلى مبدأ العين بالعين، بل إلى مبدأ ldquo;أرواح عشرة فلسطينيين في مقابل كل ldquo;إسرائيليrdquo;rdquo;- قد بلغ منتهاه. فبعد انتقام القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo; من لبنان بتدمير شبكات الطرق، والمطارات، وأشكال البنية الأساسية الأخرى، لا يملك المرء إلا أن يتساءل عن الخطوة التالية التي قد تتخذها القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo;. إن الخطر الذي تشكله إيران بالنسبة لrdquo;إسرائيلrdquo; أقوى من الخطر الذي قد تشكله حماس أو حزب الله. والآن أصبحت احتمالات اشتعال المنطقة متزايدة الخطورة، وهي الأزمة التي قد تشكل ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة الطرف الخاسر فيها. فمع قدرة حزب الله على الصمود في وجه الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; الضاري، وبروز إيران كقوة نووية محتملة، أصبح وجود ldquo;إسرائيلrdquo; أشد عُرضة للخطر من أي وقت مضى منذ ميلادها.

الآن يبدو الأمر كأن ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة قد تجمدتا على هذا الوضع من عدم الاستعداد للدخول في مفاوضات مع سلطة فلسطينية تضم حماس. وقد تتمثل العقبة الرئيسية هنا في رفض حماس للاعتراف بوجود ldquo;إسرائيلrdquo;؛ إلا أن هذا من الممكن أن يتحول إلى شرط للتوصل إلى تسوية نهائية بدلاً من اعتباره شرطاً مسبقاً للعودة إلى المفاوضات. إن استعراض التفوق العسكري لا يكفي كسياسة للتعامل مع المشكلة الفلسطينية. والآن أصبحت الفرصة سانحة للتوصل إلى حل سياسي مع حماس بفضل المبادرة السعودية. ولسوف يكون من المأساوي أن يتم إهدار مثل هذه الفرصة بسبب استغراق إدارة بوش في إيديولوجية الحرب ضد الإرهاب.