جميل الذيابي

ما أكثر المصاعب والأزمات العربية التي لم يعد العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه quot; قادراًquot; على احتمالها أو حملها في ظل استعصائها على الحلول.
وquot;معاناةquot; العرب لا تتوقف عند حدود القضايا والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل تتجاوزها إلى البحث عن دواء كفيل بعلاج جنوح المراهقين والمجانين سياسياً والمنشطرين عن الحظيرة العربية لإعادتهم إلى الطابور العربي، خصوصاً في هذه الفترة العصيبة.
quot;المراهقةquot; السياسية والأزمات الداخلية والتحديات الخارجية، ثالوث يشكل كل منها داءً خطيراً مؤثراً في زعزعة العمق والعمل العربي المشترك، خصوصاً بعد تنامي سياسة العمل الانفرادي بشكل quot;فاضحquot; في سلوكيات بعض البلدان، ما أفقد البقية قدرة التركيز على التعاطي quot;النموذجيquot; مع الملفات العربية quot;المأزومةquot; برؤية موحدة وسياسة واحدة للجم الخصوم.
من المعلوم، ان المراهق سواء أكان فرداً أم دولةً، تتملّكه رغبات متعددة لتحقيق مصالحه الخاصة من دون اعتبار للمصالح العامة، فقد يُكثر الصراخ، ويتصارع مع الكبار، ويجادل في أمور تافهة، ويتورّط في مشكلات، ولا يهتم بمشاعر الآخرين وآرائهم.
وتعد مرحلة المراهقة السياسية من أخطر المراحل التي تمر بها الدول، خصوصاً إذا فقدت توازن العقل وعاشت أكبر من حجمها ودورها الإقليمي، وانساقت وراء غريزة الاختلاف والانتقام حتى تصطدم بحائط quot;تراكميquot; من المشكلات والأزمات ضدها، ليبدأ العقل في العودة إلى طبيعته الفطرية أو يفقد الصواب ويصاب بجنون quot;العظمةquot;.
منذ عام 1964، تاريخ انعقاد أول مؤتمر قمة عربية وحتى الآن لا تزال بلدان عربية تعيش مرحلة مراهقة quot;لا خجولةquot;، بل تعيش أسوأ أنواع المراهقة في ما يسمى في علم النفس بالمراهقة quot;الانسحابيةquot;، حيث ينسحب المراهق من قرار مجتمعه، ويفضّل الانعزال والانفراد بقراره، منكفئاً على تشوهاته وأفكاره الأحادية. ونوع آخر تطغى عليه المراهقة والغيرة quot;الصبيانيةquot;، إذ يلجأ لتأجيج المشاعر واصطناع المشكلات وافتعال الأزمات، ولنا على المستوى العربي نماذج quot;حيةquot; لا تملّ ولا تكلّ صناعة quot;تأزيمquot; العلاقات من دون مبررات.
المنطقة العربية كما شبّهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من قبل بـquot;خزّان بارود قابل للانفجار في أي لحظةquot;، وإبطال مفعول quot;خزان البارودquot; الذي يشكّل المراهقون سياسياً جزءاً من أدواته، بات يشكّل خطراً على العلاقات العربية - العربية، ما يستدعي معالجة quot;إكلينيكيةquot; نفسية للمراهقين والمغامرين والمجانين والساعين إلى زرع الفتن وبثّ الأحقاد والضغائن وروح الفرقة، للتوصل إلى مسار عربي quot;موحّدquot; مبني على التوازن والقراءات المنطقية للأحداث والتحديات والمستجدات التي تهدد العمل المشترك، والاصطفاف سوياً لمنع أي خروقات خارجية وأي محاولات لشق الصف عبر تأليب الشعوب على بعضها.
quot;قمة الرياضquot; تواجه أزمات بالغة التعقيد والتركيب، ومشكلات حساسة، تستهدف النسيج الاجتماعي العربي، الذي ظل متماسكاً إلى حد كبير خلال النكسات والنكبات التي مرت بالعالم العربي.
وتمر المنطقة بمرحلة استقطاب حاد واختلافات مذهبية وطائفية تكاد تشعل حروباً أهلية، إضافة إلى تنامي نفوذ إيران وظهورها كقوة إقليمية quot;متمردةquot; على الأسرة الدولية.
الملفات العربية التي تواجهها قمة الرياض quot;ساخنةquot; وquot;محمومةquot;، بدءاً من كيفية تسويق مبادرة السلام العربية ديبلوماسياً والعمل على تفعيلها دولياً، والقدرة على مساندة حكومة الوحدة الفلسطينية ودعمها، والأزمات العراقية واللبنانية والسودانية والصومالية، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب ومطالب الشعوب بالإصلاحات الداخلية وتوسيع نفق الحريات، وإيجاد الحلول الجذرية لمشكلات البطالة والفقر، ودرء الفتن الداخلية، ما يستلزم تغيير نمط التعامل العربي مع القضايا المطروحة وصبغها بصبغة الجدية والصدقية، وتوسيع المشاركة الشعبية ونبذ اللغة التسويفية، خصوصاً ان الشعوب لم تعد قادرة على الاحتمال وفاض بها الكيل.
هل تنجح quot;قمة الرياضquot; في جمع المتناقضات للوصول إلى قرارات ومخرجات قادرة على الصمود لتقف كالزوايا القائمة لمواجهة الأزمات والتحديات، وتصف quot;روشتةquot; الدواء الشافي للمراهق والمجنون والعاطل والباطل ومن على شاكلتهم؟!