الأربعاء 28 مارس 2007

بروس هوفمان

منذ أن أعلن الرئيس بوش quot;الحرب على الإرهابquot;، وقاد البلاد إلى الحرب في العراق، فشلت الولايات المتحدة فشلاً تاماً في إتباع النصيحة الأبدية quot;اعرف عدوكquot;. والواقع أن هذا الفشل هو الذي يفسر لماذا نحن اليوم بعيدون جداً من الانتصار في العراق، وعلى quot;القاعدةquot; وحلفائها بصفة أعم.
ذلك أن التكتيكات العسكرية تفشل عندما تُطبق في غياب معرفة جيدة بالعدو الذي نلاحقهndash; بطريقة تفكيره، وبالتالي رده المحتمل على التكتيكات المنتهجة ضده. فمن دون معرفة أعدائنا، لا يمكننا اختراق خلاياه بنجاح؛ ولا يمكننا زرع الفرقة والانقسام في صفوفه قصد إضعافه من الداخل؛ ولا يمكننا أن نفكر مثله من أجل استشراف الطريقة التي من المرجح أن يتصرف بها في أوضاع مختلفة. وهذا يعني أننا لا نستطيع وضع استراتيجية فعالة لمحاربة الإرهاب تقوم على تفادي أو ردع الهجمات الإرهابية، أو استراتيجية فعالة لمحاربة التمرد تقوم على الفوز بدعم السكان، ومن ثم تفكيك البنى التحتية المتمردة. وبالتالي، فإلى أن نعرف حقاً عدونا، ستظل الولايات المتحدة في موقع الدفاع، تكتفي بالرد على ما يحدث بدلاً من الإمساك بزمام الأمور. وسنفاجأ دائماً بتكتيكات عدونا ومناوراته. ولن ننتصر.
لو كنا نعرف عدونا، ربما ما كنا لِنُفاجأ بظهور تنظيم quot;القاعدةquot; من جديد في باكستانndash; أمام أنظار قواتنا في الجارة أفغانستان. وربما كنا تمكنا من رصد الإشارات المحذرة من صعود quot;طالبانquot; من جديد بوقت طويل قبل quot;هجوم الربيعquot; الذي يُعتقد اليوم أنه بات وشيكاً. وربما كنا فهمنا على نحو أفضل لماذا لم يكن لمقتل أبومصعب الزرقاوي العام الماضي سوى تأثير عابر على قدرة quot;القاعدةquot; في العراق على الاستمرار في العنف وسفك الدماء.
والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الولايات المتحدة عدواً خفياً وغامضاً تحركه أيديولوجيا قوية تتخذ من الإرهاب والتمرد وسيلة للدفع بقضيتها وحشد الدعم الشعبي. فذاك كان وضعنا أيضاً في حرب فيتنام. ولكن بالرغم من أننا خسرنا في فيتنام، فإننا قمنا بمحاولات جادة لفهم العدو؛ حيث استفادت وكالات الاستخبارات من الحوارات مع جنود quot;فيتكونغquot; الأسرى والهاربين من الجيش، إضافة إلى وثائق الشيوعيين التي وُجدت أو احتُجزت، في معرفة من هو العدو وكيف ينشط، ثم في وضع برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية بهدف إضعاف quot;الفيتكونغquot; وتقوية الحكومة الفيتنامية الجنوبية، التي كانت تدعمها الولايات المتحدة.
بيد أن الولايات المتحدة لا تبذل أي جهود مماثلة اليوم من أجل دراسة وفهم سواء الإرهابيين المنتمين إلى quot;القاعدةquot; أو المتمردين في العراق. إذ يبدو أن استراتيجياتنا لمحاربة الإرهاب ومحاربة التمرد تعتمد مقاربة quot;اقتل أو اعتقلquot; في مواجهة الأشرار، وهو ما يعكس في الواقع الالتزام التقليدي للجيش بأسلوب الحرب quot;المركز على العدوquot;؛ والحال أن قتل الأشرار يعد سهلاً مقارنة مع مقاربة quot;التركيز على السكانquot; التي تعد أساسية من أجل محاربة الإرهاب والتمرد. ولذلك، تعد تكتيكاتنا غير فعالة لأنها مبنية على فكرة خاطئة مؤداها أن quot;القاعدةquot; وحلفاءها أو المتمردين في العراق قوات مسلحة منظمة ومركزية تعرف الانتصار والهزيمة. كما تفترض تكتيكاتُنا أن قتل الأشرار أو اعتقالهم سيضع حداً للإرهاب العالمي والتمرد العراقي.
وإذا كانت quot;البنتاجونquot; قد اعترفت مؤخراً بأننا نخوض quot;حرباً طويلةquot; من المرجح أن تستمر لعقد أو أكثر، وهو اعتراف يقدم فرصة استثنائية للشروع في جمع وتحليل المعلومات الضرورية لمعرفة عدونا، فينبغي علينا أن نتحلى بالجدية حيال هذا الأمر، بالنظر إلى التغيرات التي نراها في سلوك وعمليات خصومنا.
إن صد ومحاربة الإرهاب والتمرد بنجاح لا يمكن أن يكون مجهودا عسكريا فقط؛ ذلك أنه يتطلب أيضا أنشطة إيديولوجية واقتصادية واجتماعية وسياسية موازية، ينبغي أن توضع في إطار مقاربة قادرة على تحديد التغيرات في تكتيكات أعدائنا، وأنساق التجنيد من أجل الرد بفعالية عليهم. وعلاوة على ذلك، يتعين علينا أن نجيد المهارات quot;الناعمةquot; مثل المفاوضات وعلم النفس، والأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، والدراسات الخارجية وإدارة الأنظمة، وجميعها أمورٌ أساسية وضرورية للعمل بفعالية في البيئة والغامضة التي يتحرك فيها الخصوم غير العاديين.
الحقيقة أنه لا يمكننا أن نفوز دون كسر دائرة تجنيد وتغذية الإرهاب والتمرد اللذين يقفان وراء استمرار حملات quot;القاعدةquot; والصراع المتواصل في العراق. وفي هذا الإطار، تكتسي العمليات السيكولوجية التي ترمي إلى إقناع المتمردين والإرهابيين بالاستسلام أهمية خاصة؛ ذلك أن هذه التدابير غير المكلفة، والتي أثبتت التجاربُ فعاليتَها يمكنها أن توفر معلومات استخباراتية قيمة، شريطة أن يتم تطبيقها بذكاء ومثابرة.
إن النجاح في محاربة الإرهاب والتمرد يكمن في المزاوجة بين الجوانب العسكرية لقواتنا المسلحة وجهودٍ سيكولوجية وسياسية ذكية لمعرفة عدونا معرفة أفضل مقارنة مع اليوم. ولن ننجح إلا إذا استطعنا التفكير والتخطيط مسبقاً لمواجهة التهديدات التي من المرجح أن يطرحها جيل الإرهابيين والمتمردين المقبل. بيد أننا لا نستطيع القيام بذلك قبل معرفة من هم هؤلاء الأعداء، وما الذي يجعلهم يتصرفون على هذا النحو، وما هي نقاط قوتهم وضعفهم. وعندما نعرف هذه الأشياء، يمكن وضع استراتيجية وتكتيكات مبنية على المعرفة والتحليل بدلا من التخمين والتمني. وحينها يمكننا أن ننتصر.