الثلاثاء 3 أبريل 2007

حازم صاغية

لا يزال تقييم quot;القاعدةquot;، ومدى نجاحها أو فشلها، موضوعاً راهناً وحارّاً في المتابعات الغربيّة. أكتفي، هنا، بعرض وجهتي نظر لا تخلوان من تماسك، تدافع إحداهما عن أن حركة بن لادن أسيرة تناقضاتها المحليّة، فيما تذهب الأخرى إلى أن القوّة الأساسيّة التي تحظى بها حصيلة الغباء الذي لا تكفّ عن إبدائه، إدارة بوش.
وجهتا النظر يحملهما quot;كانيش ثارورquot; وquot;بول روجرزquot;، وهما كاتبان معروفان بمتابعة المسائل الاستراتيجيّة وما يتّصل بها من قضايا الأمن والإرهاب ومكافحته. لكنهما، وهما يختلفان في ما يعبّران عنه، يتّفقان عند نقطة واحدة: ما يسمّيه quot;ثارورquot; افتقار quot;الحرب على الإرهابquot; إلى فهم الدبلوماسيّة، وما يعتبره quot;روجرزquot; عمى في نظرة واشنطن.
فـquot;ثارورquot; يرى أن الأحداث الأخيرة في quot;المثلّث السنيquot; بالعراق، وعلى مدى الحدود الباكستانيّة- الأفغانيّة، توحي بتقديرات بأن quot;القاعدةquot; بدأت تخسر قلوب السكّان المحليّين وعقولهم.
صحيح أن الانقسامات طائفيّة في العراق، غير أن هذا لا يحول دون تذرّر الطرف الواحد في داخله. فما وُصف بـquot;التمرّد السُّنيquot; خليط متنوّع من قوى وميليشيات متنافسة. وبمعزل عن مدى حضورهم في أشرطة الفيديو ودعايات الإنترنت الإسلاميّة، فالمقاتلون الأجانب المرتبطون بـquot;القاعدةquot; لا يشكّلون إلاّ جزءاً من لوحة التمرّد العريضة. وقد شرعت تتوضّح التباينات داخل هذه الخريطة مطالع مارس: ففي محافظة الأنبار، التي تُعدّ قلب الانتفاضة السُّنيّة، تزايد القتال في الأسابيع الماضية بين الأجانب المحسوبين على quot;القاعدةquot; والجماعات العشائريّة المحليّة. وفي 1 مارس تحديداً، كان على المتمرّدين الإسلاميين غرب الفلّوجة أن يصدّوا هجمات quot;الحزب الإسلاميّquot; وquot;ثورة العشرينquot;، وهما جماعتان سُنيّتان محليّتان سبقتا quot;القاعدةquot; إلى مناهضة القوّات الأميركيّة. فمقاتلو الجماعتين تدخّلوا دفاعاً عن السكّان المحليّين ضدّ quot;القاعدةquot;، لكن ما عطّل جهودهم كان عمليّات الشرطة والجيش العراقيّين، فضلاً عن الضربات الجويّة الأميركيّة.
وفي بغداد كذلك، يشعر بعض المتمرّدين السُّنّة بانزعاج متعاظم حيال شراكتهم مع quot;القاعدةquot;، كما تصدر عنهم إشارات تدلّ إلى الرغبة في التحدّث إلى القوّات الأميركيّة والحكوميّة.
ثم، في 20 مارس الماضي، اندلعت اشتباكات في المنطقة نفسها غرب الفلّوجة بين quot;القاعديّينquot; وميليشيات محليّة مدعومة من الجيش العراقيّ. والأخيرة أنباريّة، تشارك فيها 25 عشيرة تقيم هناك وتؤيّد رغبة الحكومة في طرد quot;القاعدةquot;. والواقع أن صدور الكثيرين من هؤلاء المقاتلين عن مجموعات بدأت مناهضةً للأميركيّين أمر ينبغي أن يفكّر فيه صنّاع القرار في واشنطن وبغداد.
كذلك، تشهد الحدود الأفغانيّة- الباكستانيّة عمليّة مشابهة، ذاك أن الشمال الغربيّ لباكستان، وهو غالباً ما اعتُبر منطقة خارجة على القانون، وقّع زعماؤه القبليّون quot;البشتونquot;، منذ سبتمبر 2006، quot;معاهدة وزيرستانquot; مع إسلام أباد، والتي تمنح حكماً ذاتيّاً أكبر لبعض أجزاء تلك المنطقة. وكان بعض كبار رسميّي الإدارة الأميركيّة انتقدوا حكومة برويز مشرّف على توقيعها المعاهدة خوفاً من أن يستفيد quot;القاعديّونquot; من الظروف التي تخلقها هناك. بيد أن ما يسمّيه هؤلاء quot;استسلامquot; باكستان للإرهاب، ربما كان استراتيجيّة ذكيّة في مكافحته. فكثيرون من quot;البشتونquot; هناك لم يعودوا يخفون برمهم بالربط الدائم بينهم وبين quot;طالبانquot; وquot;القاعدةquot;. ولهذا انفجر القتال في 6 مارس الماضي بين quot;البشتونquot; المحليّين ومقاتلي quot;القاعدةquot; وأغلبهم من الأوزبك، مخلّفاً 17 قتيلاً. ذاك أن العديد من الأوزبك والشيشان وناشطين إسلاميّين آخرين، كانوا لجأوا إلى شمال باكستان الغربيّ بُعيد إسقاط حكم quot;طالبانquot;. ومع أن quot;البشتونquot; هم الذين سهّلوا فرارهم في البداية، فقد ظهرت أصوات quot;بشتونيّةquot; تراهن على علاقات وثيقة مع إسلام أباد وواشنطن تقيها غوائل القصف والاغتيالات.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن quot;الأوزبكquot; والمقاتلين الأجانب الآخرين قد لا تطول إقامتهم هناك. ذاك أن يومين فحسب من القتال الذي اندلع يوم 19 مارس الماضي، خلّف 42 قتيلاً أوزبكيّاً واعتقال العشائر quot;البشتونquot; لـ27 منهم. كذلك أقامت الميليشيات البشتونيةquot; حواجز على الطرق لإلقاء القبض على المقاتلين quot;الأوزبكquot; الذين يحاولون الفرار. وهذا ما يهدّد بانقسام آخر داخل quot;البشتونquot; بين المتضامنين مع quot;القاعدةquot; ومخاصميها. غير أن الجيش الباكستانيّ بقي بعيداً مما يجري، أو كما أعلن أحد الرسميّين: quot;دعوا مناطق القبائل تتعامل مع المشكلة، فكلّ محاولة حكوميّة للتدخّل دعماً لها ستؤدّي إلى إضعافهاquot;. هكذا لم يتدخّل الجيش حتى 22 مارس الماضي، على عكس ما فعلت القوّات الأميركيّة والعراقيّة في الأنبار.
وقصارى القول إن شبكة كونيّة الامتداد كـquot;القاعدةquot; واجهت دائماً، وتواجه الآن، مشكلة كونها quot;غريبةquot;، يصحّ هذا حتى في المناطق التي تعتقد أنها معاقل لها. فكيف وأن قوّتها مرهونة تعريفاً بتعاطف السكّان المحليّين؟ وقد لا يكون واضحاً تماماً، حتى الآن، مدى الفعاليّة العسكريّة لهذه الصدامات في البلدين. كما قد يُقال إن تلك الحركات المناوئة لـquot;القاعدةquot; يمكن أن تفقد زخمها بسرعة. لكن ما تشير إليه تلك الظاهرات يبقى مهمّاً، وبعض أهميّته أنه ينبّه خائضي quot;الحرب على الإرهابquot; إلى أهميّة الدبلوماسيّة.
في المقابل، يبدأ quot;بول روجرزquot; من بلوغ بن لادن سنّ الخمسين، والذي كان مناسبة لتكهّنات الإعلام حول قابليّة quot;القاعدةquot; للحياة. وكانت لواشنطن مداخلتها في هذا حيث عمّمت اعترافات خالد شيخ محمد، أسير جوانتانامو وأحد قادة التنظيم. وهي اعترافات تضمّنت مشاركته في 30 عمليّة لـquot;القاعدةquot; تمّت على مدى عقد، ابتداء بتفجير فبراير 1993 لمركز التجارة العالميّ. وتولّت الدعاية والإعلام الأميركيّان التوكيد على أهميّة quot;هذا الرجلquot;. وبهذا أوحي أن واشنطن أحرزت نجاحات مهمّة، الشيء الذي لم ينطل على صحافيّين شكّاكين آخرين. ولا بأس بأن نلاحظ أن quot;خالد شيخ محمدquot; سجين منذ أربع سنوات، من دون أن يفضي ذلك إلى تراجع في عمليّات quot;القاعدةquot;. وحتى لو وضعنا العراق وأفغانستان جانباً، يبقى أننا نتعامل مع حركة شديدة التوزّع والانتشار كانت وراء عديد الضربات في العالم. فمنذ اعتقال quot;شيخ محمدquot; في فبراير 2003، نُفّذت عمليّات في الدار البيضاء وجاكرتا والرياض واسطنبول وسيناء ومدريد ولندن والعقبة وبالي وكراتشي ودمشق وأمكنة أخرى.
صحيح أن تطور أعمال quot;القاعدةquot; يجد ما يخدمه في قدرتها على التحرّك في غرب باكستان من دون تدخّل يُذكر، لكن هذا لا يعدو كونه واحداً من أسباب حضورها الدائم والنشط. وفيما تطبّق القوّات الأميركيّة خطّتها الجديدة في العراق، هناك ما يشير إلى أن quot;القاعدة في بلاد الرافدينquot; أصبحت ذات ثقل ملحوظ في الانتفاضة العراقيّة، لاسيّما في الأنبار. وما يشدّ الانتباه ذاك التغيّر الداخليّ الذي شهدته، والذي جعلها قادرةً على تطويع عراقيّين في عضويّتها، فضلاً عن الاحتفاظ بالقدرة على استقبال وتفعيل المنضمّين من بلدان أخرى.
في الوقت نفسه يبقى العراق، الجاذب للجهاديّين، حقلاً أساسيّاً للتدريب على القتال لدى كلّ الراديكاليّين الإسلاميين من سائر أنحاء المنطقة. وقد يكون أحد، إن لم يكن أهمّ، الإنجازات غير المقصود لإدارة بوش إيجاد هذا المناخ: فحسب تقرير quot;تيّارات في الإرهاب الكونيّquot; الصادر في أبريل 2006، أصبح النزاع في العراق quot;الفرصة الثمينة للجهاديّين، مطلقاً الاستياء العميق حيال تدخّل الولايات المتّحدة في العالم الإسلاميّ، ومستقطباً المناصرين للحركة الجهاديّة العالميّةquot;.
في كل هذا هناك سمة من سمات الحرب الأميركيّة على الإرهاب يصعب فهمها: لماذا يبدي سياسيّون كبار ومستشارون لهم بارزون، على جانبي الأطلسيّ، عجزاً، أو رفضاً، للإقرار بأن الطريقة التي أديرت بها الحرب سيّئة وسلبيّة الأثر على مصالحهم الأمنيّة نفسها؟ حتى بعض المعلّقين المستقلّين تربكهم مواجهة الظاهرة التي تفيد بأن تلك الحرب فاقمت تجذير الجماعات الإسلاميّة في غرب أوروبا، دع جانباً الشرق الأوسط وآسيا الجنوبيّة وكلّ مكان آخر. والتفسير إنما يكمن في أربعة عوامل: ضخامة عدد القتلى والنازحين، لاسيما في العراق، واتّساع عمليّات التوقيف، في العراق وأفغانستان، من دون محاكمة، والطفرة الإعلاميّة التي تتيح للمسلمين الراديكاليّين إيصال صوتهم، وأخيراً واقع الاحتلال الذي يراه كثيرون من المسلمين quot;صليبيّاًquot;، يخدم إسرائيل وينوي سرقة النفط. أما في نظر quot;القاعدةquot; فيكتسب أحد الشعارات أهميّة بارزة، وهو سيطرة المسلمين على مقدّساتهم الدينيّة وبقاء المحتلّين خارج المدن والمناطق التي تحتضن هذه المقدّسات. وهذا، بطبيعة الحال، شعار تعبويّ جذاب.
حقّاً يستطيع، في مرّات كثيرة، تحليلان متناقضان أن يكونا متماسكين، بحيث يكاد كلّ منهما أن يقنعنا بـquot;صحّتهquot;.