الأثنين 9 أبريل 2007

سعد محيو


لبنان يبدو هذه الأيام أشبه بمتاهة الداخل إليها مفقود والخارج مولود.
لا أحد يستطيع أن يحدد ما هي ldquo;المعارضةrdquo;، أو كيف يمكن لها أن تكون معارضة، فيما هي تسيطر على رئاسة الجمهورية، وتشل مجلس النواب بشكل لا دستوري، وتمنع الحكومة من العمل، وتنفرد وحدها بامتلاك قوات مسلحة كبيرة خارج نطاق الدولة ldquo;مقاتلي حزب الله وأملrdquo;.

لا أحد أيضاً في وسعه أن يعرف كيف تكون الموالاة موالاة، فيما هي تدير حكومة تملك ولا تحكم، ويلجأ نوابها إلى مجلس الأمن لفرض تطبيق القانون الدولي قبل القانون الوطني، ويفضل مواطنوها الهجرة على بناء الوطن.

ثم ان هذه المتاهة تزداد تيهاً، حين نعدد نقاط الخلاف بين الطرفين: حكومة 19+11 (كما تريد المعارضة) أو 19+10+1 (كما تريد الموالاة). دولة تقاتل ldquo;إسرائيلrdquo;، ام تهادنها. رئيس جمهورية جديد ldquo;سوري إيرانيrdquo;، أم رئيس جديد ldquo;أمريكي سعوديrdquo; اقتصاد ldquo;هونج كونجيrdquo; ليبرالي منفتح على العولمة، أم اقتصاد ldquo;فيتناميrdquo; مكرَس للكفاح المسلح. وربما قريباً (وقريباً جداً على الأرجح)، ستضاف إلى المتاهة مسألة أخرى ستكون الأخطر: هل ثمة بعد ضرورة لبقاء الدولة اللبنانية بعد أن تحولت، أو تكاد، من دولة ضعيفة إلى دولة فاشلة failed state)) وبالتالي هناك بعد مبرر لبقاء لبنان ككيان سياسي وطني؟

حين أشار كاتب هذه السطور إلى هذا الاحتمال قبل أشهر قليلة، سرت اتهامات عديدة بأن في الأمر القليل من التدقيق والكثير من المبالغة.

لكن يتبين الآن ان هذا الاحتمال لم يعد احتمالاً البتة، بل أصبح موضوع الساعة. ونحن هنا لا نتحدث فقط عن حديث الرئيس بري عن مشاريع الكانتونات التي انتعشت مجدداً في بلاد الأرز، بل عما هو أخطر: عودة النقاشات الداخلية إلى ما قبل قيام الدولة اللبنانية، معنى الكيان الواحد. وظيفة هذا الكيان السياسية والاقتصادية. والأهم، تركيبته: دولة بسيطة يتوحّد فيها القرار الوطني والأمني والعسكري، أم دولة كونفدرالية يختار فيها كل جزء ما يريد من استراتيجيات أمنية وسياسات خارجية؟

مثل هذا المنطق لم يعلن بعد، لكن الاستعدادات لتطبيقه جارية على قدم وساق. وبيان المطارنة الموارنة الأخير الذي ربط بين مسألتي الأمن والصيغة السياسية اللبنانية، لم يكن سوى رأس جبل الجليد المختفي تحت سطح البحر. وهذا في الواقع من بديهيات الأمور: فحين ينقسم اللبنانيون على كل شيء، من الاستراتيجية الأمنية إلى كل السياسات الخارجية، ومن الاقتصادات إلى الايديولوجيات، لا يبقى حينذاك إلا إعادة النظر بالصيغة اللبنانية برمتها.

* * *

كما هو واضح، المتاهة كبيرة وخطيرة. والسؤال الكبير الذي يحوم كالشبح فوق رؤوس كل اللبنانيين هو: هل سبق السيف العذل، وبات انفجار الصيغة اللبنانية محتماً؟