تركي الدخيل

عدت من اليمن وقد آمنت بتسميته باليمن السعيد، فأهله مستمتعون بحياتهم، رغم الفقر والعوز أحياناً، راضون بحالهم، لأن خيار الرضى هو المتاح، وهذا من حسن تدبير المرء، كريمون رغم ضيق ذات اليد. في ربوع صنعاء، حيث السحاب والمطر، والفقر والكرم، والسماحة والتخلف، والسياسة وlaquo;القاتraquo;... تفتح عينيك على بلاد العجائب.
وإذا انفتحت على الواقع الثقافي - السياسي في اليمن، فإنك ستسمع آراءً بعضها يبعُد عن الآخر، بعد المشرق عن المغرب.
خذ مثلاً شخصية مثل الشيخ عبدالمجيد الريمي (من مواليد 1955) رئيس مجلس أمناء مركز الدعوة في صنعاء، وهو جامع يدّرس فيه بضع مئات من الطلبة فنون الشريعة على الطريقة العلمية التراثية التي يبدو أنها اندثرت بشكل نظامي إلا في اليمن.
يرى الشيخ الريمي ان الديموقراطية: laquo;نظام تفتح الباب على مصراعيه للردة، والزندقة، كما تفتح الباب للشهوات والإباحيةraquo;!
من يتبنى النظام الديموقراطي، بحسب الشيخ الريمي laquo;لا بد له من الاعتراف بالمؤسسات والمبادئ الكفرية، كمواثيق الأمم المتحدة، وقوانين مجلس الأمن الدولي، وقانون الأحزاب، وغير ذلك من القيود المخالفة لشرع اللهraquo;!
في الوقت ذاته، لا يجد شيخنا الفاضل، غضاضة في الثناء على الحكومة اليمنية، والدفاع عنها، وليس لدي مشكلة مع الدفاع عن أي حكومة في الدنيا، لكنني استغرب أن يكون من يدافع عن حكومة تنتهج الديموقراطية نظاماً للحكم، يقول في الديموقراطية ما لم يقله مالك في الخمر! ألم أقل لكم إن اليمن السعيد، بلاد العجائب بتفرد؟
في الوقت ذاته، لا يزال الحزب الاشتراكي في اليمن، يمارس حضوراً في وقت انحسرت فيه الاحزاب الاشتراكية في معظم دول العالم، وليستمر عجبك، فإن الحزب الاشتراكي تضامن مع التجمع اليمني للإصلاح، وهو ما يمثل الحزب الإسلامي الأكبر والأشهر في اليمن، بوصفهما حزبي المعارضة، ويأتي ائتلاف المعارضة هذا بعد عداوات شرسة، وإقصاء وتكفير متبادل، ربما ليثبت لنا أقطاب الحزبين، المثل العربي الشهير: laquo;ما من محبة إلا بعد عداوةraquo;.
التجمع اليمني للاصلاح (يمثل تيار laquo;الإخوان المسلمينraquo; اليمني تقريباً)، والحزب الاشتراكي، هما حزبان ايديولوجيان، وتحالفهما، دلالة واضحة على طغيان المصلحة والسياسة في أجندة الحزبين محل الأفكار والايديولوجيا، وهو ملمح يؤكد تطور العملية السياسية في اليمن، لكنه يجعل الشيخ الريمي، مثلا، يؤكد من وجهة نظره صواب أطروحته، وأن الديموقراطية ستفسد الدين والفكر، ولذلك يشن هجوماً كاسحاً على الاصلاح، بوصفهم اسلاميون، وإلا فأحسبه قد غسل يديه من الاشتراكيين!