محمد بن عبداللطيف آل الشيخ



يقول الدكتور علي لاريجاني كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين: (بعد حصول إيران على دورة الوقود النووي الكاملة حان الوقت الآن لجلوس الغرب إلى طاولة واحدة مع إيران والتفاوض بشأن برنامجها النووي).

من الواضح أن إيران بإعلانها إكمال دورة إنتاج الوقود النووي كانت تسعى إلى تقوية موقفها التفاوضي مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص. وهذا يعني إما أنها على استعداد للتنازل، وتسعى في المقابل إلى رفع سقف الثمن إلى الحد الأعلى، وهذا احتمال بعيد رغم حصافته، والاحتمال الآخر والأقرب أن الساسة الإيرانيين يحاولون التملص وكسب مزيد من الوقت حتى يتسنى لهم امتلاك السلاح الذري، ومواجهة العالم بالأمر الواقع. وإذا ظن الإيرانيون أن بإمكانهم (التملص) من الممانعة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لامتلاك إيران السلاح النووي فهم واهمون. فكل المؤشرات والدلائل تؤكد أن الولايات المتحدة لن تتردد إطلاقاً من المضي في ممانعتها لإيران لأن تمتلك السلاح النووي، حتى وإن اضطرت لاستخدام القوة العسكرية.

ويخطئ الإيرانيون إذا ظنوا أن فشل الأمريكيين في العراق يعني أنهم سيتركون إيران تصل إلى طموحاتها النووية؛ فأمريكا لم تعرف في تاريخها هزيمة قط مثل تلك التي منيت بها في فيتنام نتيجة لتدخلها العسكري المباشر؛ ومع ذلك استمر الأمريكيون في لعب سياسة العصا الغليظة في سياساتهم الخارجية لفرض شروطهم بالقوة إذا اقتضى الأمر، ولم تمنعهم تلك الهزيمة من استبعاد الحلول العسكرية.. والضربة الأمريكية لإيران - لو حصلت - ستخلط كل أوراق المنطقة وليس أوراق العلاقات الأمريكية الإيرانية فحسب. غير أن كل التحليلات تؤكد أن النظام الحاكم في إيران سيكون أول الخاسرين.

إيران مكونة من فسيفساء طائفية وقومية تئن منها جغرافيتها السياسية، وعندما تتعرض إلى أزمة بحجم (قصف) أمريكي يطال بنيتها الأساسية بشكل كثيف وعنيف ومدمر كما هو متوقع، فإن هذه (الفسيفساء) تكون قابلة للتفكك أكثر من أي وقت مضى.. (خوزستان) أو كما يسميها البعض (عربستان) يتقد فيها الجمر تحت الرماد، وسكانها ينتظرون أية فرصة لإعادة المطالبة بالانفصال، أو على الأقل الحكم الذاتي. وهناك رسالة منسوبة إلى (محمد علي أبطحي) يطالب فيها وزارة التخطيط الإيرانية بتعديل التركيبة الديمغرافية لمنطقة (خوزستان) التي يُشكل العرق العربي غالبية سكانها.

ويذكر - بالمناسبة - أن تسرب هذه الرسالة وانتشارها في إقليم خوزستان كانت سبباً في اضطرابات واسعة النطاق تم الرد عليها بالقمع البوليسي وهراوات الحرس الثوري، كما جاء في بعض التقارير الإخبارية.. منطقة (بلوشستان) أو الإقليم المعروف في إيران بإقليم (سيستان) هي الأخرى تشكل مشكلة عرقية وطائفية في آن، ويعاني أهلها - أيضاً - لأسباب عرقية وطائفية من العسف الإيراني. فمعظم سكان هذا الإقليم من الطائفة السنية، ويعانون من المذهب الشيعي الحاكم في طهران كل أنواع الاضطهاد والقمع.

وقد قامت قبل فترة منظمة تسمي نفسها (جند الله) بتفجير حافلة عسكرية في (زاهدان) عاصمة الإقليم المذكور، الأمر الذي أدى إلى مقتل 11 وإصابة 31 فرداً من أفراد الحرس الثوري الإيراني.. كما أن هناك قوميات آذارية وكردية وتركمانية لديها نفس طموحات العرب والبلوش، ويعانون هم أيضاً من العنصرية التي يمارسها الفرس عليهم.. إضافة إلى كل ذلك فهناك المعارضة السياسية للنظام القائم من (الفرس) أنفسهم، والذين يعارضون فكرة ولاية الفقيه، هم أيضاً يتحينون الفرص لهز استقرار المؤسسة السياسية الإيرانية الحاكمة.

وكما تقول التقارير الصادرة من عواصم القرار الغربي، فإن جزءاً من رهان الأمريكيين - فيما لو حصلت الضربة - يقوم بشكل رئيس على (تحريك) هذه التراكمات الطائفية والعرقية وإذكاء جذوتها لتكون بمثابة (اللغم) الذي ينسف استقرار النظام في طهران ويهز من استقراره بعد الضربة.

كل ما أريد أن أقوله في هذا المقال: إن قدرة النظام الإيراني القائم على استيعاب ضربة بحجم الضربة الأمريكية المتوقعة، وهو بهذا التعدد العرقي والطائفي والحساسيات التي تنطلق من هذه التركيبة الطائفية والقومية والسياسية، أمر مشكوك فيه. وهذا ما يجب أن يعيه الإيرانيون جيداً.