د. عبدالمنعم سعيد

الصحافة العربية في العموم، والصحافة المصرية خاصة، ذرفت دموعا كثيرة علي أيام الرئيس الفرنسي شيراك، وتوجست شرا من أيام الرئيس الفرنسي أيضا نيكولاس ساركوزي،

فقد جسد هذا الأخير كل الشرور التي لا يحبها العرب والمصريون، فهو يميني فيه قدر غير قليل من الغطرسة، وجماعتنا يحبون اليسار لأنه يتحدث كثيرا عن العدالة والمساواة حتي ولو كان الواقع مختلفا كثيرا،

وهو يحب إسرائيل وأمريكا، وأصحابنا يكرهونهما كثيرا، وهو يقول إن داخل فرنسا أولي بالاهتمام والرعاية، ونحن نريد فرنسا دائما معنا مهتمة بالشؤون الخارجية عامة ولا يشغلها إلا الصراع العربي الإسرائيلي وبقية أمورنا القديمة جدا والمستحدثة،

وهو يقول: إن فرنسا جزء من المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ونحن نريده قائدا لمعسكر أوروبي مناطح، ومقاوم لواشنطن في قيادتها العالم.

هذه الحالة من الحزن علي الماضي تكررت كثيرا خلال الأعوام الماضية، فقد حزن العرب والمصريون بشدة علي انتهاء سيطرة الاشتراكيين علي السياسة الألمانية وفوز أنجيلا ميركل المحافظة، التي تحب إسرائيل وأمريكا، ولا تتعاطف مع نزعات سابقها شرودر في مخاصمة أمريكا أثناء الحرب مع العراق.

وقبل ذلك كان الحزن أعمق عندما تحولت أوروبا الشرقية كلها من دول مناصرة للحقوق العربية إلي دول محايدة أو مؤيدة للطرف الآخر، وفي كل الأحوال طالبة لود إسرائيل، طلبا للحصول علي مكان في قلب واشنطن.

وقبل هذا وذاك لاحظنا بصمت وحسرة ذلك التغير البطيء الذي جري في السياسات الهندية والصينية التي ابتعدت عنا عمليا وفعليا، ولكنها كانت تعرف أن قليلا من الكلمات ترضي من يريدون دفن الرؤوس في الرمال ـ مثل النعامة ـ حتي لا يروا الحقيقة، واقتربت عمليا وفعليا من الطرف الآخر تتعاون معه عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا.

وهكذا تغيرت فرنسا كما تغير الآخرون، وساد الحزن لدينا علي باريس، كما ساد الحزن علي عواصم أخري في الشرق والغرب.

وفي كل الأحوال لم نسأل أنفسنا مرة واحدة: لماذا تغيروا، ولماذا زاد حلفاء الطرف الآخر وتباعد الناس عن التحالف معنا؟ والأخطر فإننا لم نسأل أنفسنا مرة واحدة: ماذا فعلنا بهم ومعهم عندما كان هؤلاء الحلفاء معنا؟

فهذه الأسئلة ليست من النوعية التي نسألها علي أي حال، لأنها تقلق المنام والمضاجع، وتجعلنا نخرج من أحلام يقظة في النهار وكوابيس ليل.

وكل ما فعلناه أن وصلنا إلي المخرج الذي نعرفه وهو أن نضع القضية كلها علي المشجب الأمريكي، فهو الذي جذب الهند والصين، وهو الذي غير أوروبا الشرقية، وهو الذي طوع ألمانيا، والآن فإنه يطوع فرنسا. فيا للحسرة علي عالم تملكه وتحكمه واشنطن.

وفي هذه اللحظة تحديدا سوف ينسي العرب والمصريون أنهم أنفسهم هم الذين توصلوا إلي أن أمريكا باتت مهزومة بين العراق وأفغانستان، وانتهت الإمبراطورية الأمريكية قبل أن تكتمل، وغربت شمسها قبل شروق !.

والحقيقة المرة أننا لم نعد ذا فائدة لطرف، ولا خصما من أطراف أخري. فلا لدينا التكنولوجيا التي تقدمها إسرائيل، ولا علاقة مع الغرب والقوي الاقتصادية في العالم التي تتقدمها إسرائيل والولايات المتحدة، ولا يوجد بلد عربي واحد، عدا قطر والإمارات - لأسباب نفطية - يتعدي فيها نصيب الفرد من الدخل القومي ٢٣ ألف دولار،

كما هو الحال في إسرائيل (في مصر نصيب الفرد ١٤٠٠ دولار)، والتي وصلت إلي هذا المستوي رغم الانتفاضة والحرب في لبنان وفي غزة، ووصولها ١٤ مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في بلد مساحته ٢٠ ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانه سبعة ملايين (في مصر ستة مليارات في بلد مساحته مليون كيلومتر مربع وعدد سكانه ٧٦ مليوناً!)،

والأخطر من ذلك أننا جعلنا من الإرهاب مقاومة، ومن الإسلام سياسة، ومن شافيز حليفا، ومن الاستبداد ديمقراطية، ومن السلام حربا، ومن العولمة انعزالا، وبعد ذلك بكينا علي عالم ظالم ذهب عنه شيراك، ونهرو، وماوتسي تونج، وكيم إيل سونج، وخروشوف وشرودر!