أنقرة - حسني محلي
زاد الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي الطين بلة بالنسبة لتركيا. فالأتراك الذين لم يتخلصوا بعد من مخاوفهم من مستقبل السياسات الألمانية المحتملة تجاه بلادهم منذ أن استلمت المستشارة انجيلا ميركل السلطة في برلين، وجدوا أنفسهم هذه المرة أمام مصدر جديد للقلق، وهذه المرة ليس فقط في موضوع الاتحاد الأوروبي بل في مواضيع أخرى أكثر حساسية وتعقيدا. خاصة أن برلين كانت المحطة الأولى في التحركات الخارجية للرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي، وكرر حديثه عن ضرورة ضم تركيا لاتحاد متوسطي بدلا من الاتحاد الأوروبي.
وجاء الرد التركي على ذلك صريحا وواضحا وعنيفا على لسان وزير الخارجية عبدالله جول الذي ذكر ساركوزي وميركل بقرار جميع الدول الأوروبية لبدء مباحثات العضوية مع تركيا، وقال على هذه الدول أن تلتزم بتعهداتها لأنقرة في هذا الموضوع. وكان جول يعرف جيدا أن ساركوزي سيستمد المزيد من قوته ضد تركيا من المستشارة الألمانية التي تشاركه الرأي في موضوع الأتراك، كما ترى برلين في باريس ساركوزي مصدر دعم لها في مواقفها الرافضة للأتراك داخل البيت الأوروبي المسيحي. وكان جول ومعه باقي المسؤولين الأتراك يعرفون جيدا مدى أهمية برلين وباريس في المعادلة الأوروبية على الرغم من التأييد النسبي الذي تحظى به تركيا من قبل لندن وأحيانا روما ومدريد.
ويعرف الجميع أن غالبية الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم ولن تشجع انضمام تركيا التي ترى فيها هذه الدول، ولكل منها أسبابها، الخاصة، خطرا على مصالحها الوطنية والاستراتيجية أوروبيا وأقليميا ودوليا. فعلى الرغم من تصريحات المسؤولين اليونانيين الذين يتحدثون بين الحين والآخر عن تأييدهم لمساعي أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبي، يعرف الجميع أيضاً أن أثينا لن تقبل بضم تركيا للاتحاد قبل أن تنسحب من قبرص وتحل مشاكلها المعلقة معها في بحر أيجة خاصة المياه الاقليمية والجرف القاري والمجالات الجوية فضلاً عن أن غالبية الدول الأوروبية وشعوبها المسيحية لن تنسى ذكرياتها السيئة مع الأتراك أحفاد السلاطين العثمانيين الذين أوصلوا الاسلام إلى أواسط أوروبا، كما لن تنسى الأتراك مساعي الأوروبيين أحفاد الصليبيين للقضاء على الدولة العثمانية واحتلالهم لأرض الأناضول بعد سقوط هذه الدولة بعد الحرب العالمية الأولى. وهو ما يدفع الكثير من الأتراك القوميين والاسلاميين للتشكيك بمصداقية المواقف الأوروبية ويرون فيها خطرا على وحدة الأمة والدولة التركية خاصة أن الاتحاد الأوروبي يشترط على أنقرة الاعتراف للأقليات العرقية كالأكراد والدينية كالمسيحيين والمذهبية كالعلويين بكامل حقوقها التي أقرت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان البعض منها خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد سيزيد من هذا القلق التركي لما لباريس من اهتمامات سابقة وتاريخية بالملف الكردي اقليميا، خاصة أن ساركوزي قال إنه سيكون على تنسيق وتعاون مع واشنطن خلال تعامله مع الملفات الإقليمية ومنها العراق ولبنان وفلسطين التي لم يزرها ساركوزي على الرغم من زياراته المتعددة لrdquo;إسرائيلrdquo;.
وتبقى المجازر الأرمنية الموضوع الآخر في ملف القلق التركي من ساركوزي وحلفائه الأوروبيين الذين سبق لهم أن دعوا أنقرة عبر البرلمان الأوروبي للقبول بالادعاءات الأرمنية الخاصة بالمجازر التي أقرها العديد من برلمانات الدول الأوروبية فيما كان للبرلمان الفرنسي موقف أكثر تشددا عندما أقر نهاية العام الماضي قانونا يعاقب بالسجن من ينكر المجازر الأرمنية ويغرمه مبلغ 30 ألف يورو. وهو ما أقره البرلمان السويسري فيما بعد أيضا.
ويبقى الأمل التركي معقودا على واشنطن التي يتمنى الأتراك أن تقنع حليفها الجديد ساركوزي ومن قبله ميركل بضرورة إبقاء أبواب الاتحاد الأوروبي مفتوحة في وجه الأتراك لما لتركيا من أهمية استراتيجية في مجمل الحسابات الأمريكية الخاصة بالمناطق المجاورة لها في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى حيث الجمهوريات الاسلامية ذات الأصل التركي.
وتبقى التجربة الاسلامية المعتدلة في أنقرة الحجة الأخرى في طروحات واشنطن مع ساركوزي وميركل وباقي العواصم الأوروبية التي تريد لهذه التجربة أن تكون ورقة تتعاطى بها في أحاديثها عن الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان وإلا فإن الاتحاد الأوروبي سيتحول إلى ناد للمسيحيين فقط كما إن أوروبا ومعها أمريكا بكامل مؤسساتها العسكرية والسياسية كالحلف الأطلسي ستتحول إلى تكتلات مسيحية تذكر الدول والشعوب الإسلامية بالحرب الصليبية التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر التي كانت حجة المحافظين الجدد الأمريكيين منهم والأوروبيين لاحتلال أفغانستان والعراق والصومال وهم الآن يخططون للمزيد من الحسابات التكتيكية والاستراتيجية التي تستهدف دول المنطقة الأخرى، وقد تكون تركيا إحداها حسب رأي الكثير من المحللين الأتراك، الذين يقولون إن الغرب بكل أطيافه وميوله وانتماءاته يرى في تركيا العنصر الأهم الذي سيقرر مصير المنطقة عموما سلبا كان أم إيجابا. وبحسم هذا العنصر سيستطيع الغرب حسم مجمل حساباته الخاصة بالمنطقة التي رسم سايكس وبيكو خريطتها قبل 90 عاما وها هم أحفادهما في باريس ولندن وبرلين وواشنطن يعملون على تحديث هذه الخريطة التي كانت تحت ضمان وحماية العثمانيين أجداد أردوغان ورفاقه في العدالة والتنمية الحاكم وطالما عادوا أوروبا والاتحاد قبل أن يصلوا إلى السلطة وتمسكوا بهذا الاتحاد بعد عام 2002 ليكون مصدر قوة ودعم لهم في تحديهم لجنرالات الجيش التركي.
التعليقات