شلوموه غازيت ـ معاريف
(رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً)
تصادف في هذه الأيام ذكرى مرور سنة على اختطاف جلعاد شليط من داخل دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي، شرق السياج المحيط بقطاع غزة. فالنفق الذي حُفر تحت الخط الأخضر، وعملية الأسر الجريئة التي قام بها عناصر الميليشيات الفلسطينية، نُفذت في ذروة فترة الهدوء النسبي في المنطقة. وكانت هذه إحدى الفترات التي أُحرز فيها وقف لإطلاق صواريخ القسام من داخل قطاع غزة على سيدروت والمستوطنات المحيطة بها.
كان للإسرائيليين جوابان فوريان. الأول عبارة عن إعلان كلامي يفيد أن إسرائيل تطلب الإفراج الفوري عن شليط ومن دون شروط. وأن إسرائيل لن تجري أي مفاوضات بشأن اطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل إعادته. والجواب الثاني لإسرائيل كان على المستوى العسكري ـ فرض حصار شبه تام وممارسة الضغط العسكري الشديد. وهدفت هذه الخطوات الى اقناع خاطفي شليط، والذين من شأنهم التأثير عليهم، بأن الثمن الذي سيتعين على سكان القطاع دفعه، في حال عدم الإفراج الفوري عن شليط، لا يُحتمل من قبلهم.
عندها شُنت حرب غزة الثالثة (الأولى والثانية بعد تشرين الأول 1956، وحزيران 1967)، حرب بدأت بعد فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة قبل عام. ففي تلك الأيام ظهرت كل المؤشرات التي كُشفت بعد عدة أسابيع على الحدود مع لبنان. فالمستوى السياسي ـ العسكري في إسرائيل اتخذ قرارات استراتيجية متهورة، من دون فحص ومن دون نقاش مسؤول ومعمق. وكانت تلك قرارات غير مدروسة وعديمة المسؤولية، بحيث أن الواقع تطور بسرعة أمامنا. ويمكن اليوم تحديد ثلاث حقائق لا خلاف عليها:
لا أحد يذكر اليوم الالتزام الحازم والمتعجرف الذي قطعه رئيس الحكومة: إسرائيل لن تجري مفاوضات بخصوص تبادل الأسرى مقابل الجندي الأسير. انقضت ايام معدودة حتى نُسي الإعلان وسُحب من التداول ثم بدأت المفاوضات. وأشك ما اذا كان الثمن الذي سندفعه مقابل جالعاد شليط سيكون اقل من الثمن الذي كنا سندفعه لو توصلنا الى اتفاق بعد اختطافه مباشرة.
المشكلة الرئيسية التي نواجهها الآن ليست عودة جلعاد شليط. لقد أثبتنا أن الفلسطينيين من سكان قطاع غزة يدفعون بالفعل الثمن الأكبر، إلا أنه في هذه الأثناء يتعين على سكان سديروت وسائر مستوطنات غلاف غزة دفع ثمن أغلى بأضعاف. فقد نسينا منذ زمن أن كل ما طلبناه هو الإفراج عن الجندي الذي أُسر. وها نحن نتخبط اليوم في كيفية وقف اطلاق صواريخ القسام. تعلمنا أن نعرف وندرك الصلة القائمة بين الهدوء في سديروت وبين الهدوء في أراضي القطاع.
وفي النهاية، انكشفنا أمام تداعيات مثيرة للقلق حتى جراء خطواتنا بشأن مكانة إسرائيل في العالم. فالتقارير والصور القادمة من داخل قطاع غزة أصعب وأقسى من تلك التي أتت قبل عام من لبنان. فهناك قاتل الجيش الإسرائيلي ضد الميليشيات العسكرية التابعة لحزب الله. أما هنا، في حرب غزة الثالثة، فإن الصورة التي ترتسم في العالم هي صورة إسرائيل التي حولت 1.4 مليون فلسطيني من سكان القطاع الى رهائن. هذه السنة عاش السكان الفلسطينيون في ظروف خانقة وفي حصار شبه تام.
ربما لأن هذه الحرب ما زالت في أوجها فإننا لا نعترف بالفشل السياسي والعسكري، ولا نطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص الاخفاقات، الأخطاء والإدارة الفاشلة لهذه الحرب. وخسارة، فالحقائق والواقع باد للجميع.
التعليقات