سمير عطا الله


عندما فاز فرنسوا ميتيران بالرئاسة الفرنسية، خشي الرئيس الاشتراكي أن يؤثر فوزه في العلاقة مع السعودية في وقت تحتاج فرنسا إلى البُعد الاقتصادي فيها، حاجة قصوى. وبحث الإليزيه عن وسيلة يطمئن بها الرياض. وقبل أن يعثر عليها كان الملك خالد بن عبد العزيز، يصل إلى باريس ليؤكد، من خلال الزيارة، أن بلاده تقيم العلاقات مع الدول وتحترم خيارات الشعوب وتحدد مصالحها في إطار لا يضيق أو يتغير بتغير الإدارات.

ظل الشيخ جميل الحجيلان سفيرا لدى فرنسا طوال 23 عاما، مؤكدا استمرارية الدبلوماسية السعودية مع ثلاثة عهود. والاستمرارية قاعدة هدفها تطمين الشركاء في العلاقة، إلا أن تغير الرجال قدر، لكن تغير المواقف قرار. وقد عدل الملك عبد الله بن عبد العزيز، برنامج جولة أوروبية مقررا منذ مدة، كي يؤكد لفرنسا والرئيس الجديد، أن السياسة السعودية حيال الدولة المتوسطية الكبرى، ثابتة في تطورها، ومستمرة في تقدمها.

وقد أولى الملك عبد الله العلاقات الدولية أهمية كبرى منذ عقد على الأقل. ورسم لهذه العلاقات خطا واضحا ومعلنا هو التوازن. ومن الصين إلى أوروبا مرورا بالولايات المتحدة، أكد لمحاوريه أن بلاده تدرك مدى حيوية المصالح وأنها بنت سياساتها على الدوام وفقا لقاعدة بسيطة ومباشرة وغير قابلة للاجتهادات: قاعدة الخير المشترك في مواجهة الخصومة وسوء التفاهم.

وفي هذه المرحلة بالتحديد تتخذ جولة الملك عبد الله الأوروبية، خصوصا زيارة فرنسا، بُعدا استراتيجيا وتاريخيا واضحا. فقد عبّر بطريقته وبصراحته في بدء الجولة عن مدى الخطر المحيق بالعالم العربي قائلا إنه يواجه خطر التفكك. والعربي اليوم في حاجة إلى صداقاتهم التقليدية والفاعلة، تساعدهم في البحث عن حلول ترد أو توقف هذا المسار الانهياري.

وقد وظفت السعودية وزنها السياسي والاقتصادي دائما في سبيل الاستقرار العام. ولم تضع أي علاقة ثنائية مع الدول الكبرى إلا في سبيل العلاقة القومية الأشمل. وجعل الملك عبد الله أسلوبه المباشر والمحبب في التعامل مع قادة الدول مدخلا إلى تعميق وتوسيع رقعة التفاهم العربي ـ العالمي. وبهذا الأسلوب المبسط والمباشر الذي يغلب عليه الصفاء والصدق المطلق، أقام حلقة من الصداقات والتفاهمات تراوح في طيفها السياسي ما بين خوان كارلوس في مدريد وفلاديمير بوتين في روسيا.

وقد أعلن الملك جوهر سياسته للعالم بكل وضوح، حين قال إن بلاده جزء من الإنسانية جمعاء وتعمل من أجلها من خلال عملها لأمنها. وقبل ذلك كان أول من رعى وتبنى وأقام أول مؤتمر دولي لمحاربة الإرهاب. من خلال هاتين الدعوتين الكونيتين، ومن خلال مبادرته للسلام في الشرق الأوسط، يضع لمحادثاته جدول أعمال موحدا أنّى حل في العواصم.