وليد شقير

الاشتباك السياسي اللبناني الذي ظهر أمس على شاشات التلفزة، بين الأكثرية والمعارضة، وما قاله الأمين العام لـlaquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصر الله، ورئيس laquo;اللقاء النيابي الديموقراطيraquo; وليد جنبلاط وقبله بساعتين زعيم تيار laquo;المستقبلraquo; النائب سعد الحريري في بيانه رداً على المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، يختصر لوحة الصراعات العربية - العربية والصراعات الخارجية عموماً.

فاللغة التي استخدمها نصرالله لها وظيفة رئيسة هي تغطية الموقف السوري في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة بعد غد الأحد، وتغليفه بموقف المعارضة اللبنانية. وهي لغة، نتيجتها، سواء كان ذلك عن قصد أم لم يكن، تبرير منطق دمشق بأنها لا تضغط على حلفائها اللبنانيين وأن استمرار إمساكها باللعبة وأوراق الأزمة في لبنان يستند الى قاعدة قوية في داخله، بما يعني ان على الدول العربية التي تجتمع في مصر للسعي من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي اللبناني ان تأخذ في الاعتبار قدرة سورية التي باتت أقوى في البلد الصغير مما كانت عليه أثناء وجودها العسكري كما قال نائب الرئيس فاروق الشرع.

وفي المقابل، فإن ما قاله الحريري وجنبلاط يكمل المشهد على الصعيد العربي. فموقفهما الذي عبّر كل منهما عنه على طريقته، حين قال جنبلاط انه لن يقبل بحصول المعارضة على الثلث المعطل في الحكومة المقبلة، لأنه تسليم للسلطة الى سورية وإيران، وحين حذر الحريري من خطورة الرسالة التي وجهها الوزير المعلم معتبراً أن ورقة الحل والربط في جيبه، هي مواقف تؤدي الى تذخير الموقف العربي المناهض لاستمرار التدخل السوري في تفاصيل الوضع اللبناني.

لم يكن صدفة ان تصدر هذه المواقف كلها في اليوم الثاني من السنة الجديدة دفعة واحدة. والمناسبة هي اجتماع القاهرة بعد غد قبل أي شيء آخر. والاجتماع هذا العام هو بداية لمسار يفترض ان يصل الى استحقاق مهم هو القمة العربية المنتظرة بعد اقل من ثلاثة اشهر في دمشق، وعلى جدول أعمالها قضايا مهمة وأساسية ترسم ملامح المعادلة الإقليمية المقبلة. فبين قمة الرياض العام الماضي وقمة دمشق تبدو الأشهر القليلة المقبلة الأكثر كثافة في الأحداث التي ستحدد اعادة توزيع لعملية الإمساك بخيوط اللعبة. فمن الآن حتى انعقاد القمة يفترض ان تظهر نتائج مسار المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية الذي بدأ في أنابوليس، ويفترض ان يتضح بعض ملامح مسار التفاوض السوري - الإسرائيلي الجاري منذ السنة الماضية وقبلها بطريقة غير مباشرة، فضلاً عن انه يفترض ان تظهر نتائج المنحى الجديد التفاوضي حول الملف النووي الإيراني... الخ.

كان لبنان في العامين 2006 و2007 في عين العاصفة الإقليمية وما زال. واقتضت اللعبة إدخال الاستحقاق الرئاسي الخاص به، الى حلبة laquo;لي الأذرعraquo; التي سعت إليها دمشق في التحدي الذي تخوضه ضد السياسة السعودية - المصرية في المنطقة، بعد نجاحها في شل البلد، عبر استقالة الوزراء الحلفاء لها واعتصام المعارضة في وسط بيروت ومحاولاتها عرقلة قيام المحكمة الدولية وإقفال المجلس النيابي.

اعتقدت الأكثرية ان في إمكانها التخفيف من أعباء لعبة laquo;لي الأذرعraquo; هذه على لبنان، من طريق المساومة مع المعارضة على إجراء الانتخابات الرئاسية، فيما كانت حسابات دمشق ان إحداث الفراغ في الرئاسة هو جزء من اللعبة حتى لو كان المرشح المتفق عليه قائد الجيش العماد ميشال سليمان حيادياً بينها وبين المحور العربي الآخر. فاكتساب الأوراق الإقليمية ومنها التأثير داخل السلطة في لبنان، لا يقبل بمجيء رئيس حيادي كالرئيس الياس سركيس عام 1976، بعيد بداية الحرب الأهلية. والتعويض عن حيادية الرئيس هو بالإمساك من طريق المعارضة، بمفاصل السلطة والمؤسسات.

ومع أن لعبة laquo;لي الأذرعraquo; هدفها التوصل الى تسوية تعطي سورية موقعاً قوياً في المعادلة العربية المقبلة فإنه يخشى ان تقود الى إطالة امد الصراع بدلاً من ان تقود الى هذه التسوية. وفي هذا الوقت، يخشى من ان تقوض التركيبة اللبنانية وتصيبها بأضرار وأمراض يصعب ان تشفى منها فلا يستقر لبنان لمدة طويلة. والخطورة ان لعبة laquo;لي الأذرعraquo; تستخدم الموقع المسيحي في السلطة، بعد ان دارت خلال السنتين الماضيتين بين الموقعين الإسلاميين السني والشيعي. وهي لعبة تستضعف المسيحيين، مهما اعتد العماد ميشال عون بقوته في صفوفهم، طالما ان المعارضة تمسك الرئاسة من خناقها.

لقد أعلن السيد نصرالله ان المعارضة نجحت في إفشال المشروع الأميركي للبنان عن طريق منع التوطين والحؤول دون إنهاء المقاومة ودون تحويل لبنان الى معسكر أميركي من خلال السلطة في ما سماه laquo;حرباً عالمية في السياسةraquo;. وأن المتبقي من مهماتها هو اعادة إنتاج السلطة في لبنان. وطالما ان المعارضة نجحت في حربها ضد أميركا فما الحاجة الى انتصار على الحريري وجنبلاط وفؤاد السنيورة وأمين الجميل وسمير جعجع...؟