أحمد المرشد

نكاد نقترب من نهاية العام الرابع لاحتلال العراق والأوضاع فيه لم تتحسن بعد لا على المستوى الأمني ولا الاقتصادي ولا حتى السياسي. فالشواهد المتوفرة لأي متابع للشأن العراقي لا تؤهل للخروج بتحليل متوازن تجاه هذا البلد الشقيق الذي راح ضحية لقناعات أمريكية زائفة، ولو شئنا الدقة لقلنا إنها مجرد قناعات لشخص يتوهم القوة والعظمة في نفسه وقدراته، شخص أراد استخدام هذه القوة في الشرق الأدنى من العالم ولم يجد مكاناً أفضل من العراق ليجرب فيه طاقاته التسليحية وخططه العسكرية.

ويكفي أن نرصد عناوين الصحف خلال الأيام القليلة الماضية لنخرج بنتيجة واحدة مفادها أن هذا البلد يعيش الأمرين، ويمر بحالة من السواد يصعب تجاوزها في الوقت الراهن. فالجيش الأمريكي باق في العراق خلال عام ،2008 رغم إعلان البنتاجون عن بدء الانسحاب التدريجي اعتباراً من منتصف العام الذي هلت بشائره. وهذا يعني أن المخاوف لا تزال مستمرة وأن احتمال الانزلاق إلى حرب أهلية أو طائفية في العراق هو احتمال قائم وبقوة أيضاً.

وإذا كان هذا الحكم نابعاً من عناوين الصحف في الأيام القليلة الماضية كما أسلفنا فها هو قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس يحذر من انسحاب سريع للوحدات الأمريكية باعتبار أن ما سماه التقدم الأمني الذي أحرز لا يزال هشاً ومتواضعاً في عدة مجالات. فهذه شهادة قائد أمريكي لا يزال في الخدمة وليس في التقاعد حتى نتهمه بالضعف لأنه يتحدث وهو خارج المنصب.

وعلى المستوى الحكومي ربما نسترجع ما نقل عن الرئيس العراقي جلال طالباني قبل أيام بأنه سيعلن قريباً تشكيل حكومة وحدة وطنية على أسس جديدة تحددها الخريطة السياسية في البلاد. ويبرهن هذا الإعلان على فشل حكومة نوري المالكي.

وقطعاً نحن ليس مع من يقول من أنصار صدام حسين في ذكرى إعدامه: ldquo;لا حياة بلا شمس ولا كرامة بلا صدامrdquo; فهو الذي أدخل العراق في هذا النفق المظلم ومنح الفرصة للأمريكيين لوضع أقدامهم بل كل جيوشهم في المنطقة، وهو الذي منحهم الفرصة لبعثرة الاتهامات يميناً ويساراً وإلى هذا وذاك، وأمامنا سوريا التي تترقب سقوط سيف ديموقليس وفقاً للأسطورة الإغريقية عليها في أي وقت، ويكفيها تحذير بوش بأن صبره قد نفد تجاهها وهو ما يضعها في المرتبة الثانية من الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على المنطقة.

ومن الإنصاف الإشارة إلى تراجع صور الوكالات المفزعة والتي تصور جنوداً أمريكيين مدججين بالسلاح وهم يقتحمون المنازل بأحذيتهم ليروعوا الناس الآمنين في بيوتهم، ولكن بالرغم من ذلك لم تتراجع العمليات الانتحارية، كما تتعرض سوريا لاتهامات أمريكية مباشرة بأنها وراء تسلل ldquo;الإرهابيينrdquo;. والسؤال: ldquo;أين رجال الأمن العراقي والجنود الأمريكيين الذين يفترض أنهم يتولون عملية حماية وحراسة الحدود وتوفير الأمن والأمان للمواطنينrdquo;.

لا شيء تغير على أرض الواقع في العراق، فالمشهد المأساوي يظل على حاله من حصار واقتحامات واغتيالات واعتقالات.

إن الذاكرة مثقلة بذكريات أليمة ومريرة بسبب ما يتعرض له العراق الشقيق وشعبه العربي الأصيل من نكبات وويلات. وإذا كان جيلنا لم يعش نكبة فلسطين في عام 1948 فحظه العاثر أوقعه في نكبة أخرى وربما أشد إيلاماً في العراق منذ عام 2003 وبدلاً من أن نرى عراقاً ديمقراطياً وواحة غناء ونموذجاً يحتذي به للجيران سواء الأخيار أو الأشرار وجدنا بلداً تشتد فيه العواصف وتستعر فيه النيران ووجدنا صورة مخيفة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يروجون له. هذا الشرق الأوسط الذي يحقق ما جاء في خطاب بوش عام 2001 حول استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وقال فيه: ldquo;إن الوجود الأمريكي وراء البحار هو واحد من أعمق رموز التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها وأصدقائها، ومن أجل الوقوف في وجه التحديات الأمنية التي نواجهها تحتاج الولايات المتحدة إلى قواعد ومحطات داخل ووراء أوروبا الغربية وشمال شرق آسيا، وكذلك إلى ترتيبات وجود مؤقت من أجل توفير الإمكانية لتحريك القوات الأمريكية لمسافات بعيدةrdquo;. وها هو بوش يطبق ما أورده في خطابه قبل ستة أعوام إذ تضع الولايات المتحدة يدها على الموارد الطبيعية للشعوب خاصة النفط، وتفرض الوصاية السياسية عليها وتملأ العالم بقواعدها العسكرية وتمسك بزمام الاقتصاد العالمي.

وندخل عاماً جديداً على الاحتلال ولم تظهر استراتيجية سلام جديدة في العراق، وفشلت كل المراهنات الأمريكية على تحديث هذا البلد الذي مني بتدهور خطير في ظل احتلال أمريكي عسكري وتنامي النزعة الطائفية فيه ولم تتوصل حكومته حكومة المالكي إلى سياسة تتخطى من خلالها ما وصل إليه الحال من خطورة مع تنامي الأزمات.

لقد أصبح العراق نموذجاً للفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بعدما تحللت مؤسسات الدولة وخاصة الجيش والشرطة ولعبت الحكومة على وتر الخلافات الطائفية، فيما ركزت القوات الأمريكية على وسائل القوة العسكرية لفرض إملاءاتها على العراقيين وأيضاً كون الإدارة الأمريكية تعمدت بصورة غير مباشرة إقصاء المعارضين للاحتلال من العملية السياسية ورفضت تحديد أفق لإنهاء احتلال العراق مع التعمد أيضاً في تبني سياسة ldquo;فرق تسدrdquo;.