أمجد عرار
مطالبة آصف زرداري بإجراء تحقيق دولي في اغتيال زوجته بينظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة، اصطدمت بموقفين رافضين، أولهما رفض على شكل اشتراط بعدم اعتماد النموذج اللبناني، والثاني رفض فرنسي قائم على اعتبار أنه لا توجد دولة يمكن اتهامها بعملية الاغتيال، على غرار التحقيق الذي يجري في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وقال علماً بأن زرداري طالب نصاً ب ldquo;لجنة للتحقيق على غرار لجنة الحريريrdquo;.
جميع المحللين الذين تناولوا الموضوع أجمعوا على أن هذه المطالبة ستبقى حبراً على ورق، نظراً لإدراكهم القاطع بأن الدول الغربية تتلكأ في التخلص من برويز مشرف حليف الولايات المتحدة الأساسي، حتى إن عميداً سابقاً في كلية العلوم السياسية في جامعة لاهور رأى أن تشكيل لجنة دولية يقتضي قراراً من مجلس الأمن الدولي ستفشله الولايات المتحدة بالفيتو.
ويبدو أن زوج بوتو المدفوع بالعاطفة إزاء فقدان شريكة حياته، أعمته العواطف عن قراءة خريطة العالم الجديد بقيادة أمريكا، ولم ينتبه إلى أن الحسابات السياسية في هذا العالم تطغى على العدالة. ورغم أن بوتو كانت حليفة للولايات المتحدة التي فقدت باغتيالها ورقة مهمة في باكستان، إلا أنها تجد نفسها غير قادرة على توظيف عملية الاغتيال خارج الدائرة الباكستانية، ولن تستفيد من العملية أكثر من تضخيم مبرراتها لتنفيذ خطتها المسبقة بالإنزال العسكري في البلاد المحاذية لأفغانستان.
إذن، اغتيال بوتو لا يستدعي تحقيقاً دولياً، الآن على الأقل، أما في الفترة المقبلة، فربما تتوفر وسيلة ما لإيجاد أرضية ما تسمح باتهام سوريا بالعملية. قد يعودون لأرشيف بوتو للعثور على صورة لقاء يجمعها بأحد أعداء سوريا، فتُحسب على تيار آذاري أو شباطي أو تموزي، أو غيرها من أوراق الرزنامة المتربصة بسوريا، ما يمهد لتدويل القضية، واستخدامها لكل الذرائع التي عرفها البشر والتي لم يعرفوها بعد، باستثناء الحس الإنساني والعدالة. بوتو رئيسة وزراء سابقة مثل الراحل رفيق الحريري، وباكستان كدولة نووية وموقع، تمثل أهمية أكبر مما يمثل لبنان، لكن للعدالة الغربية وجهاً آخر، وللدماء في قاموسها لوناً مختلفاً، برتقالياً ربما، فلا يستوعبها ميزان المحاكمة الدولية، ولا التحقيق الدولي الذي لا يتجاوز دوره دور السيف المسلّط على دول وقوى ال ldquo;لاrdquo; للهيمنة والاستبداد والاحتلال.
لذلك، على زرداري أن يكتفي بدموعه، وألا يحلم بعدالة دولية، لأن هذه العدالة تفقد عيونها في فلسطين، فلا ترى الأم كريمة فياض وأبناءها أحمد وسامي وأسماء وقريبها محمد الذين حوّلتهم طائرة ldquo;إسرائيليةrdquo; من صنع أمريكي إلى أشلاء، عدالة لم تر دماء قانا على دفعتين، ولا تطوف على خيام اللاجئين. إنها ليست عدالة بل أشلاء عدالة.
التعليقات