صبحي حديدي
ثمة جديد نوعي في السياسة الفرنسية يتمثل في الحديث المتكرر للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي من اتحاد متوسطي يشمل الدول المطلة علي البحر الأبيض المتوسط، ومع أن هذا الحديث للرئيس الفرنسي لم تتضح ملامحه بعد، ولم تحدد أطره الدستورية والقانونية والسياسية إلا أن عبارة الاتحاد المتوسطي وحدها ترسم الإطار العام لهذا المشروع الحلم الذي يخطو به ساركوزي خطوة جديدة إلي الامام، وكأنه بات من أولويات السياسة الفرنسية تجاه منطقة تؤلف بنظر كثيرين وحدة جغرافية وتاريخية وحضارية معاً فالمتوسط ليس مجرد بحر، وإنما هو أيضا انتماء وهوية وحضارة موغلة في القدم، وعلي كل منا نحن العرب الذين ننشد التقدم لبلادنا، ونؤمن بالانفتاح علي العالم الخارجي، في طليعته أوروبا، أن نتجاذب مع دعوة الفرنسيين إلي هذا المشروع وأن ندفع به ما استطعنا إلي الامام. فالسعي إلي اتحاد متوسطي هو سعي نحو بؤر الحضارة والتنوير في عصرنا الحديث، هذا إن لم نقل إنه نافذة جديدة تُفتح أمام العرب لردم الهوة بينهم وبين الآخرين، وبخاصة بعد أن اتسعت هذه الهوة وبات الخروج منها وكأنه أحد المستحيلات الجديدة.
ومع أن فرنسا الحديثة، في عهد ميتران وشيراك، كثيرا ما دنت إلي الضفة الأخري من المتوسط، ودعت إلي قيام اتحاد بين دول الشمال الافريقي، وهي المغرب والجزائر وتونس وليبيا كخطوة أولي لقيام روابط وثيقة مع أوروبا إلا أن مشروع هذا الاتحاد تعثر في خطواته الأولي فما بين هذه الدول الشمال افريقية من المشاكل، ما لم يكن من السهل الانتصار عليه، ومن هذه المشاكل مشكلة الصحراء المغربية، وتجذّر القطرية، وتغلب المصالح الفئوية، وانعدام الديمقراطية ومن أجل كل ذلك طوي الحلم في مهده، إلي أن أيقظه الرئيس ساركوزي عدة مرات منذ توليه الرئاسة في فرنسا، وبخاصة عند زيارتيه الأخيرتين إلي المغرب والجزائر.
والواقع أن الاتحاد المتوسطي ليس مجرد حلم من الأحلام الرومانسية، وإنما هو مشروع قابل للتحقيق يرفده التاريخ، كما ترفده المصالح، في آن، فالمؤرخون، ومعهم الجغرافيون يقولون إن ما بين الدول الأوروبية، والدول الافريقية والآسيوية المطلة علي هذا البحر، من المصالح والصلات ما يجعل من التفكير بقيام أشكال متعددة من الوحدة أمراً في غاية المنطقية، فشمال افريقيا عبر التاريخ شكل نوعا من وحدة سياسية واقتصادية بينه وبين أوروبا، وقد أتت أزمنة كانت فيها هذه الدول تؤلف فيما بينها كتلة واحدة يجري فيها التنقل وتبادل السلع
- آخر تحديث :
التعليقات