يوسف الكويليت
ما يحدث في غزة جريمة أخلاقية يجب أن تحاكم عليها إسرائيل، لكن هذه الأماني تعززها وحدة الأهداف بينها وبين كل الغرب الأوروبي والأمريكي حتى إن سكرتير الأمم المتحدة المعني أولاً وأخيراً بالدفاع عن حقوق الشعوب صمت ولم يحرك لسانه بكلمة نقد واحدة، أو مطالبة بفتح المعابر وتزويد غزة بالوقود، لأنه وصل لهذا المركز بمباركة أمريكية، وبالتالي لا يلام حين يحاول المحافظة على وهج الوظيفة وفوائدها المادية، وأضوائها الدائمة، واعتباره محامي إسرائيل النافذ..
إسرائيل واهمة إذا هي اعتقدت أن حصار غزة وضربها، واستعمال كل وسائل الجريمة ضدها سوف يعزلها عن محيطها الفلسطيني والإسلامي، أو يبعدها عن التعاطف الدولي، ولعل إجراءاتها الهمجية بكل ما تعنيه هذه الكلمة ودلالاتها، توحي بأن من يركض نحو سراب السلام يفهم طبيعة هذا البلد القائم على عداء الشعوب، بدءاً من المراباة الأولى في المال، والمراباة الأخيرة في السياسة..
دعونا نقلء إن حماس أخطأت بإرسال الصواريخ على إسرائيل، وبإعلان انقلابها على فتح، لكن قضية حصار مواطنين تعتبر عقاباً لشعب، وليس لأيدلوجية، وحتى من يراهن على فصل تام بين الشعب الفلسطيني لا يقرأ التاريخ والواقع، لأن الخلافات بين القيادات تبقى مرحلية وليست جذرية وبالتالي من غير المنطقي أن ترى فتح عذاب شعبها وتصمت لتستفيد من رهان سلام مستحيل..
المؤلم أن العرب تحرّك منهم من يؤمن بالقضية خارج المزايدات السياسية وتصنيف من هو مع الفلسطينيين بكل تبايناتهم، وبين من يعلن تقسيمهم، وربطهم بعجلة أهدافه الآنية ويضعهم في سلة أهدافه، ومن هنا لا بد من البحث عن المتسبب في رداءة الأداء الفلسطيني والأسباب التي جعلت حالتهم تصل إلى القطيعة بسبب تفسيراتٍ كل يعطيها اتجاهه ومزايداته..
لا ندري لو تسببت دولة آسيوية أو أوروبية حليفة لأمريكا بمقاطعة إسرائيل وكيف سيكون رد الفعل المساوي للعمل، لرأينا أمريكا تجند جيوشها المادية وضغوطها السياسية وإعلان مقاطعتها بشكل علني ودعوة مجلس الأمن للانعقاد بصورة عاجلة، وربما حصار تلك الدولة حتى تنفد ذخيرتها المعنوية والسياسية، وتتضرر مادياً..
غزة تحت الحصار، والموت البطيء والعاجل والأسباب لا تقع على من يختلفون من القيادات مع معظم العرب، لأن هذه الأمة التي تملك قدرة التأثير على الشأن الدولي لم نرَ من يتقدم الصفوف بإعلان الاحتجاج والذهاب إلى أقصى الأساليب التي تستدعي رفع وعي الشعوب الأخرى بهذه القضية، واستعمال الأسلحة المتاحة ليس من خلال ردود الأفعال السلبية التي لا تتعدى التقاليد المتبعة بشتم تلك الدولة أو غيرها بوسائل الإعلام بينما العلاقات أكثر حميمية، لأنه إذا كانت أمريكا تعلن صداقتها، فلابد أن تكون في صف الحق قبل أن تجامل من تضعهم في صف الأصدقاء، لأن ما يجري للفلسطيني ليس أمراً اعتبارياً يمكن أن يعالج بالصدمات السياسية، وإنما تجويع شعبٍ وإعلان الحرب عليه، يدخل في باب الاعتداء التام والشامل مع سبق الإصرار، وأمريكا وأوروبا في الواقع الراهن شريكتان مع إسرائيل بكل ما يجري..
عموماً المسألة الفلسطينية ستبقى علم الأزمة في علاقة مؤيدي إسرائيل مع العرب، لأن من سينضمون إلى التطرف بكل أشكاله، إنما يأتون من تصرفات تلك الدول، وإلا كيف نمنع من تهان كرامته ويُتعمّد تجويعه أن يكون مسالماً؟
التعليقات