جيفري كمب
لم تتمخض جولة الثمانية أيام، التي قام بها الرئيس بوش إلى منطقة الشرق الأوسط خلال يناير الجاري، سوى عن الكثير من مشاعر اليأس في كل من أميركا ومنطقة الشرق الأوسط نفسها. والسبب أنها لم تسفر عن تقدم يذكر نحو حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وكان بوش قد أدلى بتصريحات مهمة حول دعوته إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب عام 1967، مقابل دعوته الفلسطينيين للكف عن أعمال العنف واستهداف المدنيين الإسرائيليين. ورغم ما بدا من توطيد علاقاته مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، فالملاحظ هو أنه ليس في وسع أي من هذين القائدين الدفع باتجاه إحداث طفرة في عملية السلام. وإلى أن يتم وضع حد لأزمة قطاع غزة، بما يتطلبه من تسوية لدور حركة quot;حماسquot; في هذه العملية، فإنه ليس من سبيل للتفاؤل قبل ذلك بالتوصل إلى أي تسوية سلمية للنزاع، خلال ما تبقى من عام واحد فحسب، من ولاية الرئيس بوش الأخيرة.
وكان من الغريب والمدهش جداً ألا تشمل جولة بوش تلك العراق، خاصة وأن الوضع الأمني فيه قد تحسن كثيراً نتيجة لانخفاض معدل العنف اليومي حالياً، مقارنة بعام مضى. فبدلاً من أن يذهب بوش بنفسه إلى هناك، اكتفى بإرسال وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس لحث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على تسريع عملية المصالحة الوطنية. وكانت لزيارة بوش لكل من البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، أهميتها الخاصة، لما لهذه الدول من علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، ومن دور مقدر تؤديه في الحفاظ على أمن منطقة الخليج، وفي الحد من التوترات التي من شأنها التأثير سلباً على النمو الاقتصادي، وعلى تدفق النفط والغاز الطبيعي من المنطقة.
وبينما أثنى بوش كثيراً على الجهود التعاونية التي تبذلها دول الخليج العربية، وعلى الإصلاحات السياسية الجارية فيها، إلا أن الملمح الأبرز في خطاباته التي ألقاها، هو التعبير عن هواجسه إزاء التهديدات الأمنية الإيرانية، بما فيها بالطبع نوايا إيران وطموحاتها النووية، إضافة إلى ما نسبه لها من دعم للإرهاب في المنطقة. وقد كان واضحاً من خلال الاستجابة الفاترة المتحفظة لهذه اللهجة الخطابية المتشددة إزاء طهران، أن قادة المنطقة لا يقرون بوش على إسرافه في إدانته هكذا لإيران أو على تصويرها كما لو كانت quot;عفريتاًquot;، رغم أن لهؤلاء القادة هواجسهم الجدية إزاء طهران، وإن كانوا لا يصرحون بها علناً.
وفي جانب من جوانبها، تشبه هذه النبرة العلنية المتشددة إزاء طهران من جانب الرئيس بوش، كما تبدت خلال جولته الشرق أوسطية، جولة ألكساندر هيج، أول وزير خارجية في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان في المنطقة خلال زيارته الأولى لها في إبريل 1981. وقد أعرب هيج عن أمله في التوصل إلى quot;إجماع استراتيجيquot; بين بلاده وحلفائها الرئيسيين العرب، حول أن الاتحاد السوفييتي السابق يمثل التهديد الرئيسي لاستقرار المنطقة وأمنها. وفي السر كان قادة كل من الأردن والمملكة العربية السعودية ومصر، يتفقون فيما بينهم على أن الاتحاد السوفييتي يشكل مهدداً أمنياً رئيسياً لمنطقتهم، لاسيما إثر اجتياحه لأفغانستان عام 1980، إلى جانب تطلعه لإشعال الثورة العالمية، ودعوته للإلحاد كجزء من الأيديولوجية الشيوعية التي يتبناها. لكن رغم تلك القناعة، أصر قادة جميع الدول العربية الذين التقى بهم هيج في تصريحاتهم العلنية، على أن التهديد الأكبر لأمن المنطقة واستقرارها هو العجز عن حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وعليه فقد كان من رأيهم أن تعطي أميركا أولويتها الاستراتيجية لحل النزاع، في إطار بلورتها لسياسة شرق أوسطية جديدة.
ولعل أبرز ما أسفرت عنه جولة الرئيس بوش الشرق أوسطية هذه، هو الاتفاق على مشروع صفقة لشراء المملكة العربية السعودية لأسلحة أميركية متقدمة، تقدر قيمتها بـ20 مليار دولار، بما فيها تقنيات JDAMS التي تمكّن من الإصابة المباشرة للأهداف. وقد عرض هذا الاتفاق على الكونجرس الأميركي الذي يتوقع منه المصادقة عليه، لما للمملكة العربية السعودية من دور كبير في دعم جهود الحرب على تنظيم quot;القاعدةquot; وغيره من الجماعات المتطرفة الأخرى.
إلا أن الذي يجب أن يؤمل فيه الرئيس بوش حقاً خلال الأشهر القليلة المقبلة مما تبقى له من عام واحد في البيت الأبيض، هو أن يستمر تحسن الوضع الأمني في العراق، وأن يتواصل انخفاض معدلات العنف اليومي فيه، في حين تتصاعد الأزمات والخلافات الداخلية بين القادة الإيرانيين، في مقابل تمكن باكستان من إجراء انتخابات حرة نزيهة، من شأنها إطفاء نيران الأزمة السياسية هناك، إلى جانب تمكن لبنان من اجتياز عقبته الراهنة واختيار رئيس له في نهاية المطاف. ولن يكتمل هذا الأمل بالطبع إلا بتمكن كل من إيهود أولمرت وشريكه الفلسطيني محمود عباس من إحراز تقدم نحو الاتفاق النهائي فيما بينهما.
أما الحدث الرئيسي الذي يمكن أن يلقي بتداعياته وتأثيراته السلبية الكبيرة على منطقة الشرق الأوسط -وهو الحدث الذي لا شأن لبوش في السيطرة عليه- فيتمثل في حدوث تراجع في نمو الاقتصاد الأميركي، تكون له أصداؤه وتأثيراته العالمية، بما ينعكس سلباً على أداء الاقتصاد العالمي وإبطاء عجلة نموه. ومن شأن حدث كهذا أن يؤدي في نهاية الأمر إلى خفض أسعار النفط، وأن يلقي بتداعياته الكبيرة على انتعاش اقتصادات المنطقة الشرق أوسطية، بكل ما تحمل هذه التداعيات من تحديات سياسية كبيرة لجميع الدول الرئيسية فيها. وبالنظر إلى المدة الزمنية والجهود التي بذلها بوش خلال زيارته هذه، فإنه لمن السخرية ألا تحدد التطورات اللاحقة التي تشهدها المنطقة، سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى التي عقدت في كل من تل أبيب والرياض وأبوظبي، وإنما بانهيار سوق العقارات الأميركي.
التعليقات