أحمد جميل عزم

تليق الطريقة التي أعلن بها quot;حزب اللهquot; اللبناني- أمس عن اغتيال عماد مغنية، وبيوت العزاء التي فتحت له، بشخص القائد العسكري لقوات quot;حزب اللهquot;، صاحب الانتصارات على إسرائيل. على أنّ السيرة الذاتية التي يقدمها الأميركيون لمغنية، تنفي ضمنا أن يكون هو القائد الفعلي لقوات quot;حزب اللهquot;، فبحسب روايات المخابرات الأميركية، فإن مغنية هو مسؤول دولي للإرهاب.

السؤال الأهم في الأيام المقبلة، سيكون حسمَ حقيقةِ دور مغنية؛ إذ سيعتمد على ذلك تداعيات كثيرة لهذا الاغتيال. ولكن على كل الأحوال، فإنّ الاغتيال يعدّ أزمة حقيقية لدمشق؛ فمتانة الجبهة الداخلية السورية، وحقيقة دور سورية الإقليمي، أصبحتا موضع تساؤل أكثر من أي وقت مضى.

وستكون تداعيات الاغتيال، محكومة بالإجابة عن ثلاثة أسئلة، أولها يتعلق بحقيقة مغنية ودوره، وثانيها أسباب اختيار دمشق لهذا الاغتيال، وثالثها ردود فعل حزب الله المتوقعة.

وعن حقيقة مغنية، لا بد أن نتذكر أنّه أُدرج ضمن قائمة الـ22 المطلوبين للولايات المتحدة، التي أُعلِنت بعد نحو شهر من أحداث 11 سبتمبر 2001.

وحقيقة الأمر أنّ ما ينسب في ملفات المخابرات الأميركية لمغنية، أكبر بكثير مما ينسب لرئيس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن مثلا. وإذا ما قرأنا كتاب روبرت بير -الضابط السابق في الاستخبارات الأميركية، الصادر عام 2002، بعنوان quot;عين لا ترى الشرquot; (See No Evil)- فإنّ مغنية، بعد عضويته في القوة 17، التابعة لحركة فتح، في السبعينات، شارك مع إيران في محاربة العراق، ومن ثم ارتبط مع علي صالح شمخاني، الذي كان ضابطا للاستخبارات الإيرانية، في لبنان مطلع الثمانينات، ووزير دفاع إيران لاحقا، إبّان فترة الرئيس محمد خاتمي.

وبحسب ملفات (سي آي إيه) فإنّ العمليات المنسوبة إلى مغنية ونشاطاته تتوزع بين: لبنان والأرجنتين وكينيا وتنزانيا والسعودية والكويت والعراق ودول أخرى، ويشمل دوره الوساطة والتفاوض، بين كل من حزب الله، وإيران وجهات أخرى، منها بحسب ادعاءات كتاب بير، حركة فتح؛ حيث يشير الكتاب إلى أنّه التقى عرفات ذاته عام 1985 في تونس، وأنّه كان على تواصل مع أشخاص يعملون قريبين من القيادي في فتح عزمي الصغير. كما ينسب له، بحسب الكتاب، أنّه كان عنصر تنسيق بين quot;إيرانquot; من جهة وكلٍّ من أسامة بن لادن وquot;القاعدةquot; من جهة ثانية منذ عام 1996، وأنّه كان في السنوات الأخيرة عنصر تنسيق بين مليشيات شيعية وسنيّة في العراق وبين إيران.

هذا السجل الحافل، واعتراف حزب الله بدور مغنية القيادي، يعني ربط كل ما سلف بالحزب وبسورية. فعلى مدى سنوات كان اسم القائد العسكري لحزب الله، سرا، مع أنّ جميع التكهنات، والمعلومات غير الرسمية، تؤكد أنّه كان مغنيّة.

على أنّه من غير المقنع، أن يكون مغنية القائد الفعلي للجناح العسكري لحزب الله، بينما يكون منشغلا بكل ما تدّعيه أميركا وإسرائيل؛ فالقيادة الميدانية لقوات الحزب، لا يمكن أن يتولاها شخص، يتولى كل تلك المهام الاستخباراتية والإرهابية.

والواقع أنّ الرواية الأميركية الإسرائيلية حول مغنية، مليئة بالثغرات التي تجعل منها مستبعدة، فحتى لو تم التسليم بأنّ مغنية، مسؤول عن عمليات ونشاطات دولية، فالتناقض بين quot;حزب اللهquot; من جهة وquot;القاعدةquot; من جهة ثانية، يجعل تخيل التنسيق بينهما أمرا مستبعدا. كما أنّ محاولات الزج باسم ياسر عرفات وتنظيم فتح، في عمليات تفجير السفارات والمنشآت الأميركية في بيروت عام 1983، كلها كان لها أهداف سياسية، لوسم عرفات بالإرهاب.

ولكن من غير المستبعد، أن أطرافا كثيرة في لبنان وفي تنظيم quot;القاعدةquot;، زجت باسم مغنية عمدا في بعض العمليات، باعتبار أنّ مغنية من المشتبه بهم الدائمين، ولإبعاد الشبهة عن آخرين. على أنّه إذا ثبت أنّ لمغنية جزءا من المهام الاستخباراتية، التي قيل إنّه اضطلع بها، والتي ربما تبرر وجوده في دمشق، فإنّ ذلك يعني أنّه لم يكن القائد الفعلي للقوات quot;النظاميةquot; للحزب، حتى وإن حمل نظريّا لقب القيادة، وإذا أصرت واشنطن على تحميله تلك الأدوار، فهذا لتبرير حملة أكبر على الحزب وعلى دمشق.

أمّا السؤال الثاني حول اختيار دمشق للعملية، فإنّه مع نفي إسرائيل لدورها في الاغتيال، فإنّ سورية تعيش إحراجا كبيرا الآن؛ فثبوت الدور الإسرائيلي، يؤكد أن دمشق استُهدفت إسرائيليا مرة تلو مرة بعمليات متنوعة، دون أن يكون هناك لدى دمشق ردود فعل موازية. ويثير الاغتيال أيضا تساؤلات حول متانة الجبهة الداخلية، السورية، خاصة أنّ أحد التساؤلات التي برزت أمس كان: هل عجز أعداء مغنية عن الوصول إليه في لبنان وأمكن الوصول إليه في سورية؟

كما يثير الاغتيال تساؤلات جديدة حول خريطة تشكيلات القوى التي تعمل في سورية، وحقيقة العلاقات بينها.

ويوجه الاغتيال كذلك إنذارا حقيقيا، لقيادات الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي وحماس في سورية؛ فالعملية تعني أنّ حاجزا نفسيّا وماديا قد كسر، وأنّ دمشق أصبحت أقل أمنا من أي وقت مضى، فيما يتعلق بوجودهم فيها.

من جهة ثالثة، فإنّ رد فعل حزب الله، سيكون له تداعيات كبيرة، فإذا حُمِّلت إسرائيل (أو ربما المخابرات الأميركية) المسؤولية، فإنّ المتوقع أن يكون هناك ردود فعل، قد تؤدي لمواجهات جديدة بين الحزب وإسرائيل، مما سيخلط أوراق المنطقة مجددا.

أمّا إذا كان للاغتيال تداعيات تتعلق بعلاقة دمشق وحزب الله، كأن يقرر أحدهما الابتعاد عن الآخر، فهذا سيؤدي أيضا لخلط كبير في الأوراق، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة. كما أنّ مسألة خلافة عماد مغنية، ستكشف حقيقة الدور الحقيقي الذي كان يؤديه، وقد توضح مسألة الخلافة أيضا جزءا من خريطة العلاقات في المستويات القيادية في حزب الله التي كانت عرضة لتكهنات كثيرة مؤخرا.