جعفر عباس

أحيانا أرى في المنام نفسي في بيتي السابق في ويتستون في شمال لندن، وأنهض فزعا وأنا أتصبب عرقا، وما إن اكتشف انني في بلد عربي حتى أتعمد الاستيقاظ التام للمزيد من ldquo;الاطمئنانrdquo;.. هذه طريقتي للتعامل مع الكوابيس: بدلا من ترك قلبك يحاول الخروج من قفصك الصدري، افتح عينيك جيدا وانظر حولك لتقتنع تماما بأن الواقع يختلف عن محتوى الكابوس.. نعم فالفترة التي قضيتها مع عائلتي في لندن كانت كابوسا متصلا، وما أعاد إلي ذكرى تلك الأيام التعيسة هو حكاية بنت عمرها سبع سنوات كانت تلعب مع جدها في بيت أهلها في أحد أحياء لندن.. المطلوب ان تختبئ في مكان ما من البيت وعليه ان يعثر عليها.... بعد ان أعطى الجد الفتاة نحو ثلاث دقائق لتجد مخبأ مناسبا، شرع يبحث عنها.. وبعدها بساعات كانت طائرات هليكوبتر تحلق فوق المنطقة المحيطة ببيت الفتاة بحثا عنها وعشرات من رجال الشرطة والمتطوعين يجوسون كل شبر في المنطقة، دون ان يعثروا لها على اثر.. في تلك الأثناء عادت ام البنت من العمل، وما ان علمت باختفاء ابنتها حتى انهارت وصارت تحت رعاية المسعفين.. وبعد ثماني ساعات من البحث اللامجدي دخل شرطي البيت وصار يقلب محتوياته للمرة الثالثة.. في السودان لدينا مثل يقول: سيد الرايحة يفتح خشم التمساح.. أي ان صاحب/سيد الشيء المفقود، لا يتردد في فتح فم (خشم) التمساح على ما في ذلك من مخاطر.. وهكذا مد الشرطي يده وسحب حقيبة ملابس كانت تحت سرير وفتح الحقيبة فإذا بالبنت المفعوصة نائمة بداخلها ldquo;نوم الهناrdquo;.. قررت الاختفاء من جدها بدخول الحقيبة وأغلقتها من الداخل ولما طال انتظارها للجد غلبها النعاس فنامت. أن يختفي شخص مهما كان عمره عن البيت لأكثر من 4 ساعات في بلد مثل لندن على غير العادة.. أمر مزعج ومرعب.. كان ولدي الأكبر يعود عادة من مدرسته في إيست فنشلي في شمال لندن في الرابعة عصرا بانتظام وذات يوم جاءت الساعة السادسة ولم يعد.. واتصلت بالمدرسة هاتفيا وأبلغني الحارس ان الجميع غادروا المدرسة قبل ساعتين على الأقل.. قدت سيارتي على امتداد خط سير الحافلة التي يستقلها من والى المدرسة، ولم أعثر له على أثر، وبحلول التاسعة مساء كنت قد أصبت بانهيار جعل قيادتي للسيارة خطرا على نفسي وعلى غيري.. فاستأجرت ميني كاب وهي سيارات أجرة غير التاكسي اللندني الشهير، وكان سائقها لحسن الحظ مسلما من أصل باكستاني، وشاركني قلقي ومخاوفي وصار يطوف بي شوارع وحواري المنطقة.. لم يكن ولدي من النوع الذي يذهب الى بيوت أصدقائه، لأنه ببساطة لم يحرص على مصادقة أحد في المدرسة، ولم يكن من النوع الذي يزوغ الى هنا او هناك.. اتصلت بالشرطة ولكنهم قالوا انهم لا يقبلون بلاغا بان شخصا ما مفقود إلا بعد 48 ساعة من اختفائه.. وفي نحو الـ11 ليلا اتصلت بالبيت وجاءني صوت ابنتي مهللا بأنه عاد الى البيت، وطلبت من السائق ان يتجه بي الى البيت وقد اعتزمت شرا، ونزلت من السيارة واندفعت نحو باب البيت، وتحرك صاحب السيارة بعيدا دون ان يطالب بأجرته.. (ذهبت لاحقا الى مقر المكتب الذي يتبع له وشكرته وقدمت له هدية)، كنت اعتزم ضرب الولد بالبوت والشلوت ولكنني وجدت نفسي احتضنه وأبكي.. قال: مدرس الفيزياء قرر إعطاءنا دروسا إضافية وقد اتصلت بهاتف البيت لأبلغكم بذلك ولكن لم اجد ردا... المهم انك عدت سالما.. ويومها قررت طلاق لندن، و..... الاستقرار في الخليج وأعددت لذلك العدة: جوازات مزورة بالكوم.. يتم تفنيشي وإبعادي عن طريق المطار فأعود في اليوم التالي بحرا، ويفسر هذا كيف تنقلت بين 4 دول خليجية خلال ربع قرن