داود الشريان

خلال انعقاد الاجتماع التأسيسي لـ laquo;الاتحاد من أجل المتوسطraquo; في باريس، جلس الرئيس السوري بشار الأسد مبسماً وسعيداً مع رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت على الطاولة نفسها. لكنه استصعب لقاء الرئيس حسني مبارك فسلم عليه بخجل وفتور، وكأن مصر هي التي تحتل الجولان، رغم أنها قدمت آلاف الشهداء من اجل تحرير الأرض وكرامة العرب.

هذا التناقض المؤلم الذي جرى تصويره في شكل بروتوكولي بسيط كلفنا كثيراً. فقبل ثلاثة عقود جرى حديث عن مشروع مشابه لـ laquo;الاتحاد من اجل المتوسطraquo;، هدفه تغيير نظام جامعة الدول العربية لتصبح laquo;جامعة الشرق الأوسطraquo; ، لتضم إلى جانب الدول العربية، إسرائيل وتركيا وإيران. لكنه رفض بعنف باعتباره مشروعاً للاعتراف بوجود الدولة العبرية. وكانت سورية في مقدم جبهة الصمود والتصدي لهذا المشروع الامبريالي الاستعماري الغاشم. وهاهي اليوم تمن علينا بأنها قبلت تركيا كوسيط لإقامة علاقات مع إسرائيل، وتقايض العرب من اجل النظر في علاقتها مع ايران، وتهرول للحصول على علاقة مع إسرائيل.

هل جاء هذا التنازل السوري النهم بسبب جهاد دمشق ونضالها ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم؟ هذا السؤال لا يحتاج إلى اجابة. فالحدود السورية - الإسرائيلية لم تشهد مرور نملة طوال ثلاثين سنة، ورغم الضجيج السوري في النضال والمقاومة والممانعة، كانت دمشق على الدوام تشبه حليفتها إيران في التعامل مع النضال ضد العدو الغاصب، تبيع النضال ولا تتعاطاه. فسورية انحازت الى تشتيت الفلسطينيين واللبنانيين وتعيير المصريين. فصارت تشبه بطل فيلم laquo;ليلة القبض على فاطمةraquo;، تخرج في تظاهرات غاضبة لكن يتضح في النهاية أنها تصب في مصلحة المحتل.

ان مشوار النظام السياسي السوري الذي وصل الى ما وصل إليه حاليا على حساب كل الشعارات التي رفعها على مدى نصف قرن، أكبر دليل على أن النظم الثورية في العالم العربي كذبة كبيرة ومؤلمة. لكن المشكلة ليست بانكشاف هذه الأنظمة التي نزعت ورقة التوت عن عورتها الثورية منذ زمن طويل، بل بانتقال عدوى التزييف والكذب إلى قادة رأي وصحف ومقالات وقنوات.