السفير الليبي في عمان قدم تصورا للمحيط العربي لنخبة من الشخصيات الأردنية
تركيا تعتبرنا سببا في تفكيك امبراطوريتها
الجار الافريقي يخدم الأمن القومي والاسرائيلي مستنبت وقائم لاشعار اخر
عمان - طارق الفايد
أكد المفكر والسفير الليبي الدكتور محمد حسن البرغثي بأن هناك قصورا واضحا لدا الدول العربية في فهم طريقة تفكير الآخر في الجوار ، حيث الاكتفاء بفهمه عن بعد وفي أحيان كثيرة نمارس نوعا من (ايهام الذات) حيث نفهم الآخر كما نريد.
واستغرب البرغثي وهو أيضا السفير الليبي في العاصمة الأردنية عمان في ورقة بحثية أكملها حديثا حصلت القدس العربي على نسخة منها حول موضوع (العرب وعلاقتهم بالجوار) أن لا يكون للأمة العربية مصالح و استراتيجيات تقوم عليها.
وفي هذه الورقة حاول البرغثي رصد طبيعة العلاقات القائمة مع أطراف الجوار العربي وتحليلها، كما طرح على هامش ندوة أقيمت في عمان بحضو رنخبة من كبار السياسسين والمثقفين أسئلة وحاول أن يبحث عن اجابات فيما يتعلق الامر بإمكانية إعادة صياغة العلاقة العربية مع أطراف الجوار الطبيعي وفق رؤية تضمن أمنا وتحقق تعاونا وتضيق من مساحة التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة، كذلك كيف يمكن ان نتعاطى عربيا مع جوار آخر يفتقد المبررات الاخلاقية والشرعية لوجوده.
وبحسب الموقع الجغرافي المميز للوطن العربي فقد تشكل الجوار العربي إلى جوارين هامين الاول هو الجوار الآسيوي الذ ي ضم كل من إيران وتركيا اللتان تعتبران جوارا طبيعيا بالاضافة إلى إسرائيل والتي تمثل حالة (جوار مستنبت) وهو غير طبيعي، وقائم في الوقت الحاضر وحتى اشعار آخر.
أما الجوار الثاني، وفق البرغثي، فهو الجوار الإفريقي والذي تمثله ثماني دول هي (اثيوبيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطى، تشاد، النيجر، مالي، السنغال).
وفي تقدير البرغثي فإن الحاجة غدت ملحة لأن نفكر عربيا في هذا الجوار، نتيجة للتحول الجذري الذي حدث في النظام العالمي، والذي ادى إلى تغيرات طرأت على النظام الاقليمي العربي، ولعل المشهد الحاضر في المنطقة يمثل تجسيدا لذلك.
الجار الايراني
الجار الايراني جار تربطه بالامة العربية علاقات تاريخية اتسمت بالمد والجزر، أبرز عناوينها التنافس والصراع في مرحلة ما قبل الاسلام واستمرت كذلك غي اطار الامبراطورية الاسلامية، حيث غدت إيران مركزا للمذهب الشيعي، ودخلت العلاقة عندئذ في طور من التشابك والتداخل والتعقيد أحيانا.
وفي هذا المقام، يضيف البرغثي، ليس يسيرا ان نتوقف عند كل المحطات التاريخية في العلاقات العربية الايرانية ولكن سنشير إلى بعضها، حيث تشكلت الخريطة الايرانية وضمت اقليما تسكنه اغلبية من اصول عربية وهو إقليم الاحواز (عربستان).
أقدمت إيران على احتلال الجزر العربية الإمراتية الثلاث (ابو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى) في نوفمبر 1971، وظهرت في إيران دعوات تطالب بظم البحرين واعتبارها جزءا من إيران.
ولم تهدأ الخلافات الحدودية بين العراق وإيران وبالتحديد فيما يتعلق بالسيادة على (شطب العرب) رغم توقيع اتفاق الجزائر بين إيران الشاه والعراق، في الوقت الذي شكلت فيه إيران الشاه مع امريكا حلفا استراتيجيا خدم مصالح أمريكا في المنطقة، كما أقام الشاه علاقات وثيقة مع إسرائيل وأهم ما ميز ذلك درجة التنسيق الرفيع بين جهازي (السافاك الموساد).
رحل الشاه وضاقت به الارض بقيام الثورة الايرانية عام 1979 وتعرضت أمريكا إلى نكسة كبيرة بخسارتها لنظام الشاه، ثم اتخذت الثورة الايرانية منذ بدايتها خطوات داعمة للقضية الفلسطينية معادية لإسرائيل.
عربيا كان هناك حذر شديد في التعامل مع الثورة، وتعد ليبيا هي الأبرز في التعاطي لإيجابي مع ما حدث في إيران.
وأشار السفير البرغثي إلى انه أتيحت له فرصة زيارة إيران في الذكرى الاولى للثورة ضمن وفد ليبي، حيث التقى الوفد مع أبرز رموز قيادة الثورة.
وتوقف البرغثي في بحثه عند حوار جرى مع رئيس الجمهورية الايرانية في ذلك الوقت الدكتور حسن بني صدر الذي تحدث مستغربا من الموقف العربي تجاه الثورة الايرانية، قائلا: 'البعض يتحدث عن مشكلة تسمية الخليج، هل الخليج عربي أم فارسي، أؤكد لكم بأن الآن هو خليج أمريكي، دعونا نعمل معا لاخراج أمريكا من المنطقة وعندئذ سيسمى الخليج بالخليج الاسلامي'.
وأوضح البرغثي أن العرب لم يتفقوا كعادتهم في التقاط التغيير الذي حدث والذي أزاح من المنطقة نظام الشاه الذي مثل كابوسا مرعبا في تسليحه وارتباطاته. ومن جانبها إتخذت مصر السادات موقفا معاديا من الثورة، فتحت أرضها للشاه بعد أن رأت أمريكا ان حليف الامس قد غدا عبئا ثقيلا عليها.
العراق ألغى اتفاقية الجزائر وقامت الحرب العراقية الايرانية ووقفت دول الخليج بمالها تدعم عراق صدام حسين في حرب لازالت ترتسم عليها وحولها علامات الاستفهام. وعمقت هذه الحرب الهوية بين العرب وإيران، وبين العرب والعرب ورأت أمريكا في ذلك فرصة سانحة لتعويض سقوط طهران ولكي تكون قريبة من (منابع النفط).
روجت أمريكا لنظرية (الاحتواء المزدوج) للقوتين العراقية والايرانية، وحقيقة الامر كانت تدفع في اتجاه نظرية (الامن الاسرائيلي) من خلال (الاضعاف المزدوج) لكلا القوتين، واستمر ذلك إلى نهاية الحرب سنة 1988.
وانتجت الحرب العراقية الإيرانية وضعا صعبا بالغ التعقيد، حيث جاءت النقلة الاخرى المتمثلة في (مكافأة الخليج) من خلال إجتياح الكويت، ودق مسمار في نعش (الامن القومي العربي).
وفي تقدير البرغثي بأن السياسات التي اتخذت من قبل أغلب الاطراف في المنطقة لم يكن مفكر فيها ولم تكن منتجة محليا، والدليل على ذلك يأن نتائجها لم تصب في مصلحة أهل المنطقة، وعززت في المآل النهائي الوجود الاجنبي في منطقة الخليج العربي، كما تركت جروحا غائرة وعميقة بين العرب والعرب من جهة والعرب وإيران من جهة أخرى.
وفي عام 2003 شنت أمريكا الحرب على العراق ورأت إيران في ذلك فرصة للتخلص من نظام صدام، وإيجاد نفوذ لها في العراق من خلال مد جسور التواصل مع (العرب الشيعة) في العراق، وتفاهمت إيران سرا أو صمتا مع أمريكا فيما يتعلق بالعراق على غرار ما تم في أفغانستان، وتحولت إيران الى لاعب رئيسي مؤثر في العراق من خلال دعم وتعزيز مباشر للأطراف العراقية المرتبطة بإيران، كما قدمت إيران دعما ماليا وسياسيا (لحزب الله) في لبنان، وغدت إيران من خلال المكاسب العسكرية والسياسية التي حققها الحزب في لبنان طرفا مؤثرا في الحسابات اللبنانية.
وأشار السفير الليبي إلى أن إيران طورت أدائها السياسي مستفيدة من الغياب العربي واستغلت سياسات تخبط الكبار في المنطقة، وقدمت نفسها كداعم ومناصر للحقوق الفلسطينية من خلال دعمها لحركة )حماس)، وهي بذلك تنزع عن سياستها الوصف المذهبي.
محصلة ذلك يوضح البرغثي نحن أمام جار مساحة أرضه (1,6 مليون كيلو متر مربع) وعدد سكانه يزيد على (70 مليون نسمة)، إمكانية اقتصادية جيدة متمثلة في احتياطات من النفط والغاز والمياه وأراض زراعية، وهي تقف على أبواب الدخول في عضوية النادي النووي، كما تمك إيران ثقلا وتأثيرا في المنطقة العربية من خلال علاقتها النوعية مع حزب الله وصلاتها بأغلب التنظيمات الشيعية في العراق والعلاقة المميزة مع سوربا ومحاولة لعب دور (الراعي) بالنسبة للمجموعات الشيعية في المنطقة العربية.
الجار التركي
يرتبط الوطن العربي مع تركيا بحدود يزيد طولها على (1200 كم)، وترتبط الأمة العربية مع تركيا بتاريخ طويل زاد على أربعة قرون عاشتا معا تحت مظلت الدولة العثمانية.
وأكد البرغثي انه رغم الجوار والدين والثقافة والتاريخ إلا ان العلاقات العربية التركية مرت عبر تاريخها الطويل بمراحل من التأزم والانفراج، ومع نهاية الحرب العالمية الاولى أخذت العلاقات منحى آخر، حيث رأى العرب ان تركيا التي حكمتهم تحت عنوان (الخلافة الاسلامية) هي نوع من الاستعمار تحت شعار الدين، وهو الذي فتح الباب أمام الاستعمار الحديث بعد سنوات من الانغلاق والعزلة، ويذهب بعض العرب الى ان تركيا قد تخلت عنهم وسلمتهم للاستعمار الغربي.
وفي المقابل هناك قراءة تركية مختلفة بأن العرب هم الذين تحالفوا مع أطراف اجنبية لتفكيك الامبراطورية العثمانية، الامر الذي نتج عنه استعمار البلاد العربية.
واعتبر البرغثي ان المشهد السياسي التركي بقتسم اليوم اتجاهان اتجاه (علماني) وهم ورثة اتاتورك ويعد الجيش ركيزة قوية في هذا الاتجاه الذي يرى أن نركيا دولة اوروبية وخيارها قد حسم بالاتجاه الى الغرب ثقافيا وأمنيا.
أما الاتجاه الآخر فهو اتجاه (إسلامي) تمثله الاحزاب الاسلامية والتي ترى ان مستقبل تركيا يكمن في العودة الى اسلامها وتاريخها وثقافتها الروحية.
وتعتبر تركيا هي أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل في 28 مارس 1949 وأقامت علاقات دبلوماسية معها عام 1950، كما لعت دورا بارزا ضد الامن العربي من خلال عضويتها في الاحلاف العسكرية لأطلسي 1952 بغداد 1955 السنتو 1959.
ولفت البرغثي إلى ان الحكومات العلمانية المتعاقبة رأن أن أقصر طريق الى قلب أمريكا والجلوس في قاطرة الاتحاد الاوروبي يمر عبر إسرائيل، حيث يمكن الاستفادة من (اللوبي اليهودي) في مواجهة (اللوبي اليوناني) و(اللوبي الارمني)، وهكذا شهدت العلاقات التركية الاسرائيلية تعاونا نوعيا أبرزه توقيع الاتفاق العسكري بين الطرفين في فبراير 1996 والذي يرتقى الى مستوى (الحلف العسكري) بينهما، وأعقب ذلك توقيع ست عشرة اتفاقية في مجال التعاون العسكري.
وبرزت الجالية اليهودية في تركيا رغم صغر عددها واعطائها دورا مميزا في الاقتصاد والاعلام من خلال تأسيس (مركز عام 500) وهو اسم يذكر بمرور 500 عام على هجرة اليهود من اسبانيا إلى تركيا، ومهمته رعاية مصالح الجالية اليهودية في تركيا وعلى رأسه رجل الاعمال اليهودي (جاك قمحي)، كما تم انشاء محطة Show T.V المرئية بتمويل وإدارة من رجال المال اليهود وهي محطة إثارة تجمع بين الجنس والسياسة.
وأوضح البرغثي ان أهم القضايا العالقة بين العرب والاتراك هي قضية (المياه، لواء اسكندرون، إقليم الموصل، المشكلة الكردية).
الجوار الافريقي
ولخص البرغثي الجار الافريقي بأنه جار مهم بالنسبة للعرب وهي قارة غنية بثواتها الطبيعية، معتبرا أن رؤية القائد الليبي معمر القذافي في بناء الإتحاد الافريقي جديرة بأن تكون محل اهتمام عربي، حيث ان دعوته لتكامل عربي إفريقي يصب في مصلحة الامن القومي للأمة.
الجوار الاسرائيلي
لم يخض الباحث الليبي في التفاصيل التاريخية لهذه العلاقة لهذا الجار، معتبرا انها علاقة معروفة لدى الجميع.
وقال يتأكد لدينا كل يوم بأن العلاقة مع هذا الجار هي (علاقة إكراه)، حيث أن طبيعة المشروع الصهيوني تقوم على اغتصاب الارض واجتثاث البشر، وهو بذلك مشروع عنصري استيطاني لا يوجد في عقيدته أي معنى للسلام.
وفي نهاية بحثه، خلص البرغثي من أنه لابد من الاقرار بأن هناك قصورا واضحا لدينا في فهم طريقة تفكير الآخر والاكتفاء بفهمه عن بعد، مبينا ان النظام الرسمي العربي في وضعه الراهن يعاني حالة من العجز، وقد بدأ ذلك منذ اخراج مصر (حجر الزاوية في الامن القومي العربي) من المعادلة عندما تم توقيع اتفاق كامب ديفد، حيث غدت (دولة الدور) مرتهنة لنصوص قانونية جعلتها في وضع بالغ الصعوبة عند التعاطي مع استحقاقات الامة.
وتسائل الباحث قائلا: أما آن لهذه الامة ان تخرج من مرحلة (عمى الالوان) وترسم خطوطا حمرا تمثل محددات لامنها القومي؟، لافتا انه من الطبيعي ان تكون هناك اختلافات واجنهادات على المستوى القطري، ولكن من غير الطبيعي ان تحول هذه الخلافات الى سياسات تهدد الامن القومي للامة.
وتسائل أيضا حل امكانية تأسيس لحالة من التفكير تقود إلى إعادة صياغة علاقتنا بأطراف الجوار الطبيعي نطور من خلالها المواقف السابقة الى رؤية إيجابية تتعلق بالاجيال القادمة؟، حيث ان الارتهان للإرث التاريخي في رسم السياسات المستقبلية قد يجعلنا في دوامة يصعب الخروج منها، وقد تقود الى تكرار الماضي بأدوات أشد ضررا.
وهذا لا يعني التنازل عن الحقوق ولا يعني إلغاء التاريخ، ولكن هي عملية مراجعة شجاعة تقوم بها ارادة تمتلك امكانات القوة والفعل، تضع مصالح الاجيال القادمة فوق كل اعتبار، وتؤمن بأن الخطأ قد يحدث ولكن دائما هناك إمكانية للتصويب.
وقال انه لا خيار أمام كل الاطراف(العرب والجوار الطبيعي) إلا فتح حوار على كل المستويات للوصول إلى تفاهمات والتركيز على المشتركات ووضع ترتيبات أمنية مشتركة تنأى بالاطراف الاجنبية عن المنطقة.
التعليقات