فلاديمير سادافوي

منذ أن قامت الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004 و حتى الآن والدعم الأميركي للنظام الذي أتت به لا يخفى على أحد، وتشغل أوكرانيا مكانة هامة ومحورية في الإستراتيجية الأميركية في الفضاء السوفييتي وفي منطقة القوقاز و حوض البحر الأسود.

وقد انعكست هذه المكانة بشكل واضح في كتاب مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زيجينو بيرجنسكي الذي كتبه عام 1997 تحت عنوان laquo;رقعة الشطرنج العظمىraquo;، هذا الكتاب الذي حقق أعلى نسبة مبيعات في الولايات المتحدة آنذاك، وخصص بيرجنسكي فصلا كاملا لأوكرانيا في هذا الكتاب متناولا مدى أهميتها كجسر للعبور الغربي نحو أسيا.

وأوضح بيرجنسكي مدى أهمية أوكرانيا بالنسبة للإستراتيجية الأميركية باعتبارها الدولة الأكبر والأكثر أهمية وتقدما بعد روسيا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، كما أوضح أن ترك أوكرانيا للهيمنة والنفوذ الروسي يفقد انهيار الاتحاد السوفييتي أهميته ويفتح المجال للطموحات الإمبراطورية الروسية التوسعية كما يفتح لروسيا طريقا ممهدا وسهلا للمياه الدافئة في البحر الأسود .

ما كتبه بيرجنسكي كان يعني أنه من الضروري على الولايات المتحدة ألا تترك أوكرانيا لروسيا، لكن بيرجنسكي كان يجهل أشياء كثيرة و هو يضع تقديراته هذه، وأهم ما يجهله العلاقات التاريخية بين شعبي روسيا وأوكرانيا اللذين كانا لعدة قرون مضت شعبا واحدا داخل إمبراطورية واحدة وتربطهما أواصر الدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد، كما كان بيرجنسكي يجهل أيضا مدى ارتباط مصالح الشعب الأوكراني بروسيا اقتصاديا وتجاريا و ثقافيا واجتماعيا وأيضا أمنيا .

الثورة البرتقالية التي جاءت بحكم الرئيس فيكتور يوشينكو كانت وليدا ضعيفا منذ البداية، وذلك لأنها لم تحظى بتأييد شعبي كبير في أوكرانيا، وقد انعكس هذا بوضوح في العام 2007 بعد أن ظهرت الانقسامات الحادة بين قيادات هذه الثورة.

وخاصة بين قطبيها الرئيسين فيكتور يوشينكو الرئيس ورئيسة الحكومة الحالية يوليا تيموشينكا، كما انعكس هذا بوضوح أيضا في حرب القوقاز الأخيرة في أغسطس الماضي عندما خرجت سفن الأسطول الروسي من قاعدتها في ميناء سيفاستوبل الأوكراني على البحر الأسود لتحاصر شواطئ جورجيا، حيث هدد الرئيس يوشينكو هذه السفن بمنعها من العودة للميناء ووقفت رئيسة الحكومة تيموشينكا ترفض تهديداته بينما خرج الشعب الأوكراني يستقبل سفن الأسطول الروسي على الشاطئ بالترحيب والتهليل.

و بات واضحا أن موقف روسيا داخل أوكرانيا ليس ضعيفا، ثم جاءت قضية انضمام أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو، والتي طرحتها واشنطن في مؤتمر الحلف في بوخارست في فبراير الماضي وقوبلت برفض تام من الأوربيين، الأمر الذي اضطر واشنطن للرضوخ لكنها وعدت بانضمام الدولتين قبل نهاية العام الماضي، وكعادة إدارة الرئيس بوش المعروفة أن تعطي الكثير من الوعود ولا تفي بها .

والآن تأتي أزمة الغاز التي تصاعدت واشتعلت في الأيام الماضية بعد أن انقطع الغاز الروسي عن عدة دول أوروبية بسبب إغلاق موسكو لأنابيب إمداد الغاز لأوروبا التي تمر عبر أوكرانيا بعد أن ثبت أن أوكرانيا تسرق الغاز من الأنابيب، وطالبت موسكو بضرورة تشكيل لجنة دولية لمراقبة خط أنابيب الغاز في الراضي الأوكرانية لمنع أوكرانيا من المساس به.

الدور الأميركي واضح تماما في أزمة الغاز، حيث تريد واشنطن أن ينقطع الغاز الروسي عن أوروبا حتى تفسد العلاقات بين روسيا والأوروبيين، هذه العلاقات التي نمت في الفترة الأخيرة بشكل بات يشكل قلقا متزايدا لواشنطن التي أصبحت تخشى تماما من تزايد النفوذ الروسي في أوروبا بعد أن أصبحت روسيا المصدر الرئيسي للطاقة لأوروبا .

لم تجد واشنطن أفضل من نظام الرئيس يوشينكو في أوكرانيا لاستخدامه لإفساد العلاقات بين روسيا والأوروبيين، ويوشينكو الذي فقد شعبيته تماما يريد أن يثبت لواشنطن مدى ولائه لها لعلها تدعمه ضد خصومه داخل أوكرانيا، وخاصة ضد رئيسة الوزراء تيموشينكو .

ولكن هل ينجح يوشينكو في تنفيذ ما تريده منه واشنطن ضد روسيا؟

هذا ما ستكشف عنه تطورات الأحداث في الأيام المقبلة .