الصحف التي لا تستحوذ على ثقة المعلن مصيرها الفشل

أغلب المستثمرين في الإعلام غير محترفين خلطوا بين إدارة المشاريع العقارية والإعلامية

الإعلام سلاح خطير ومن يعبث به كمن يحاول إطلاق النار دون التدريب عليه

الإثارة صناعة والاعلامي المحترف يصل إلى أعلى درجاتها دون إدانة نفسية او اجتماعية أو قضائية

الانتشار لا يعني توزيع الصحيفة مجاناً بل ان يبحث عنها القارئ من تلقاء نفسه

ما الجديد الذي تقدمه هذه الصحف وهي تدور في فلك المألوف

الكويت - الشرق

بعد مرور هذا الوقت على صدور قانون المطبوعات عام 2006 الذي فك احتكار الصحف الخمس القديمة للساحة الإعلامية الكويتية وفتح الباب أمام الصحف الجديدة حتى وصل عددها إلى أربع عشرة صحيفة بخلاف صحيفة quot;الصوتquot; التي أغلقت بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وبعد مرور هذا الوقت على هذه الصحف كيف يمكن تقييم مسيرتها فهل نجحت في تأدية رسالتها ووصلت إلى جماهيرها؟ وهل قدمت هذه الصحف جديداً أم أنها جاءت مشابهة للصحف القديمة؟
والسؤال الأهم هو هل استحوذت هذه الصحف على ثقة المعلن؟
كل هذا وغيره من أسئلة أجاب عنها الباحث الإعلامي والناشط السياسي الكويتي عبد الرحمن المسفر العجمي الذي فجر في حواره جملة من القضايا والتساؤلات.
فقد أوضح العجمي أن المستثمرين في الحقل الإعلامي لم يحترفوا هذا النوع من الاستثمار بل انهم خلطوا بينه وبين الأنشطة الأخرى ولم يراعوا محددات النشاط القائم بالأساس على ثقة الجماهير بهدف استقطاب المعلن لكنهم اعتقدوا تخميناً أن عوائد صناعة الإعلام ستكون شبيهة بعوائد الأنشطة الأخرى.
وأشار إلى أن انتشار الصحيفة لايعني توزيعها مجاناً بل أن يبحث عنها القارئ من تلقاء نفسه لثقته فيها مؤكداً أن الرأي العام يعني طبوغرافيا اجتماعية مختلفة لايمكن الوصول إليها إلا من خلال صحيفة شاملة.
وتساءل: كيف سيكون مصير الصحف الجديدة إذا استمرت الأزمة الاقتصادية؟! وهل سيراهن ملاكها على الوقت أيضاً أم سيغلبون مصالحهم الاقتصادية على الكماليات والوجاهة؟! محذراً من خطورة سلاح الإثارة الصحفية وما يمكن أن تؤدي إليه.
مشدداً على أن الإثارة صناعة لا يجيدها إلا الصحفي المحترف الذي يصل إلى أعلى درجاتها دون أن يعرض نفسه والمؤسسة التي يعمل فيها إلى إدانة نفسية أو اجتماعية أو قضائية. التفاصيل في سياق الحوار التالي:
* كيف تحلل البيئة الإعلامية الكويتية بعد صدور قانون المطبوعات عام 2006 الذي فك الاحتكار السيادي لمنح التراخيص الصحفية لمدة تزيد على 30 عاما؟
في إطار العموميات ينبغي أن نعلم أن مالكي رؤوس الأموال في العالم العربي تكاد تكون تجاربهم غير محترفة فيما يخص الاستثمار في المجال الإعلامي، وكما تعلم أن لكل نشاط محددات فيما يخص الإيرادات أو ما شابه ذلك، فلكل نشاط ربحي محددات اقتصادية معروفة، ومن ضمن المحددات أو الأطر التي تعمل على ضوئها المشاريع الإعلامية وخصوصاً المتماسة مع الجماهير مثل الصحف والفضائيات تتطلب ضخ أموال بصورة متدفقة ثم بعد ذلك تنتظر ما يسمى بحوزة ثقة الجماهير بعدها تستقطب المعلن، هذه الدورة الزمنية للأسف لا يراعيها المستثمرون في هذا المجال بل انهم عادة ما يخلطون بين العوائد في المشاريع العقارية والاستثمارية والبنكية وما يحدث في النشاطات الإعلامية، وهذه التجارب استنسخت في العالم العربي على أخطائها، فيما دخل المستثمرون أو المجموعات الاقتصادية إلى هذا المجال بإصدار صحف وإطلاق فضائيات، اعتقدوا تخميناً أن عوائد صناعة الإعلام ستكون شبيهة بعوائد الأنشطة المدرة ذات الدخل الواضح والسريع.
* وأين المشكلة إذاً؟
مشكلة اغلب المستثمرين العرب في المجال الإعلامي أنهم استخسروا أن ينفقوا عشرين أو ثلاثين ألفاً لعمل دراسة جدوى فوقعوا في المحظور الأكبر وتكلفوا ملايين طائلة، ودائماً ما ننبه على أن الاستثمار في صناعة الإعلام يختلف عن الاستثمار في المنتجات الاستهلاكية أو الكمالية، فالمنتج الإعلامي له خصوصية خطيرة لكونه منتجاً فكريا ذوقيا يدخل في الاتجاهات والميول والتأثير النفسي كما أنه منخرط في الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إذن فهو منتج يخاطب النفس والعقل والوجدان والثقافة وبالتالي فأي عبث بهذا المنتج أشبه بمن يلعب بالنار دون التدرب على كيفية التعامل مع الأسلحة، وبشكل عام فما حدث للمستثمر العربي حدث أيضاً للمستثمر الكويتي في هذا المجال.
أولاً- المستثمرون بنوا قناعاتهم على الوهم أو quot;التخمين quot;بالإضافة إلى سوء تقدير الموقف تجاه منافسيهم في السوق. فأنت كإعلامي تعرف أن هناك مراحل متوالية توصل المطبوعة أو الفضائية إلى استقطاب المعلن وعلى ضوئها تتدفق العوائد المستمرة ثم تتسع لتشكل الإيرادات أولها أن هناك سياسة تحريرية واضحة المعالم قائمة على فهم القوانين المنظمة للعمل بالإضافة إلى فهم القوانين العامة للدولة وبيئة النشر وفهم الثقافة واحتياجات القارئ اليومية وما يسمى بالثابت والمتغير في مختلف هذه النواحي وعلى ضوء هذه السياسة التحريرية المحترفة تستحوذ الوسيلة على ثقة الجمهور وهو ما يعني الانتشار وبالتالي استقطاب المعلن ومن ثم توفير عوائد ثابتة ومستمرة وهو ما يؤدي إلى استمراريتها وتوسعها.
* ألا توجد صحيفة من تلكم التى صدرت بعد قانون المطبوعات حققت هذه المعادلة؟
mdash; أنا أشك أن تكون هناك صحيفة أخذت بهذه المعادلة بل وأن السياسة التحريرية كتبت بأقلام من لا يعيشون الهم الكويتي. وكتبت انشائية ولا تحاكي الواقع بمختلف أبعاده. مما شكل عائقاً خطيراً، وأيضاً من ضمن المشكلات القائمة عدم قراءة البيئة التسويقية والإستراتيجيات النفسية والآليات والطرق التي من شأنها استقطاب المعلن والاستحواذ على ثقته ناهيك عن وجود اضطراب في السياسات التحريرية، فاليوم يمتدحون شخصاً وغداً quot;يضربونهquot;وتغير المواقع هذا يشكل في ذاكرة القارئ عدم ثقة فالقارئ لا ينسى ما يكتب أو يشاهده.
* ولكن السياسة لا تؤمن بوجود صديق دائم أو عدو دائم؟
mdash; نعم، ولكن إذا ما استخدمنا العنصر الخطر أو ما يسمى بالإثارة دون احتراف فسوف نؤجج الساحة المحلية لأن الإثارة بحد ذاتها صناعة فالإعلامي المحترف هو من يصل إلى أعلى درجات الإثارة دون إدانة نفسية أو قضائية أو اجتماعية وبالتالي فإن افتقاد المهنية في السياسة التحريرية والإدارة التحريرية وكذلك في استقطاب العناصر التي تقوم بالمهنة الإعلامية أدى إلى استعمال الإثارة بشكل خطر كالإثارة الطائفية وضرب نسيج المجتمع وعدم معرفة المصلحة الوطنية لأن هذه الأمور بحاجة إلى وعي وثقافة واحتراف وأنت تعرف أن هناك معالجة صحفية للأشياء، فهناك فارق ما بين الكتابة الصحفية والتحرير الصحفي
* ألا توجد صحيفة من هذا الكم الهائل ملمة بهذه الجوانب؟
mdash; إلمام شخص أو شخصين لا يكفي، فنحن نتحدث عن عمل صحفي مؤسسي، وإذا كان من يقود مؤسسة صحفية يفتقر إلى الخبرة الصحفية بمختلف فنونها بالإضافة إلى الثقافة المؤهلة لذلك فكيف سيقود المركبة؟
وما حدث في الكويت أن نخباً اقتصادية أسست هذه الكيانات الصحفية ووضعت على رأسها من تستأمنهم وتثق فيهم بغض النظر عن الكفاءة المهنية، فاختارت أهل الثقة وليس الكفاءة، فهم من رسم هذه الأدوار لهؤلاء الأشخاص وهذا ليس طعناً في الزملاء ولكنه الواقع ونحن لسنا في حاجة إلى استنطاق الدلائل لواقع نلمسه ونراه رأي العين
أصول المهنة
* ما مدى قدرة هذه الوسائل على تشكيل الرأي العام؟
mdash; أولاً لابد أن نفرق بين أمرين، فنحن اتفقنا على أن هذه الوسائل بحاجة إلى فترة زمنية بحسب تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، وطالما أن هذا البعد لم يتحقق بعد بالإضافة إلى وجود اضطرابات في نشأة هذه الصحف في اختيار العناصر وفي فهم أصول المهنة ودهاليزها فلا اعتقد أن يحدث التأثير، لأن التأثير يحدث لأسباب عدة منها الاستحواذ على الثقة والمصداقية بالإضافة إلى الانتشار وليس المقصود بالانتشار أن توزع الصحيفة مجاناً بل أن يذهب القارئ من تلقاء نفسه لاقتنائها لأن هذه الرغبة دلالة صادقة على ثقته فيها، فإذا ما انتفى ذلك كيف إذا ستحدث الثقة؟
فهناك فارق بين الحضور على الرف أو الوجود في الديوانية بسبب التوزيع المجاني وبين التأثير في الرأي العام وصناعة القرار وهناك مظاهر للاستحواذ على الثقة يكاد يكون أبسطها غير موجود quot; اعطني أقلاماً محترفة تكتب في هذه الصحف وإن وجدت فهي قليلة للغاية، باستثناء الصحف المؤدلجة دينياً وأعتقد أيضاً أنها تراهن على الزمن، والمستثمر سوف يعيد النظر في هذه المؤسسات التي تسحب من رصيده المالي دون مردود، وبحسب التجارب المجاورة فإن هذه الصحف إذا لم تحقق مردوداً مالياً فإنها في طريقها إلى الزوال إلا إذا كانت تمثل مشروعاً سياسياً ذا تمويل ثابت وهذا المشروع بحاجة أيضاً إلى حديث في ظل التكهنات حول تعليق الدستور.
* إذا كيف تفسر استمرارية هذه الصحف وصمودها طيلة هذا الوقت؟
mdash; هذه الصحف تراهن على الوقت لكسب رضا المعلن ومنها من يعتقد أن انسحابه يمثل خسارة نفسية خصوصاً وأنهم يرون في وجود مؤسساتهم نوعاً من الحظوة وسرعة الوصول إلى موقع القرار كما أن البعض ينظر إلى هذه المؤسسات على أنها تفتح أمامه أبواب الاستفادة بطرق مختلفة عن الطرق التقليدية المتمثلة في الإعلان.
* ما السيناريو المرتقب لهذه الصحف؟
mdash; الصحف التي صدرت بعد قانون المطبوعات يملكها أناس لديهم الملايين ويملكون كيانات اقتصادية إما عقارات أو شركات استثمارية فيضخون العوائد الربحية لمؤسساتهم الصحفية في تلك المؤسسات وقد يكون من أهدافهم الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية أو توسيع رقعتها من خلال الوصول إلى سدة القرار خصوصاً في ظل عادة سمو أمير البلاد بمقابلة رؤساء التحرير وهو ما يمكن تفسيره على أنه تقريب وحظوة واهتمام بالقائمين على هذه الصحف، ومع ذلك إذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية فربما يحدث اندماج بين بعض هذه الصحف، كأن يندمج أصحاب التوجهات المختلفة سواء المذهبية أو الدينية أو ما بين أتباع المذهب الواحد وخصوصاً المؤسسات المنسجمة أو المؤسسات التي بينها تقارب أو مصالح اقتصادية الأمر الآخر وهو ما سلكته صحيفة الصوت حينما أغلقت بعد ثلاثة أشهر من صدورها لأنها تابعة إلى شركة دار الاستثمار التي اهتزت بدورها من الأزمة المالية وهذا التوقف السريع بمثابة جرس إنذار، وإذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية سيكون المستثمر أمام أمرين صعبين فإما أن يبحث عن الكماليات والوجاهة أو المحافظة على كياناته الاقتصادية.. فأيهما سيختار؟ بالتأكيد سيختار المحافظة على كيانه الاقتصادي وارجاء فكرة الكماليات والوجاهة حتى يستقر السوق وربما تقبر الفكرة وهو ما يعيدنا إلى الاقبال الكبير الذي صاحب فتح باب تراخيص المجلات مختلفة الصدور ولكن كم يصدر منها الآن؟، ومن ضمن السيناريوهات المطروحة أمام الصحف الجديدة هو أن الحراك السياسي خصوصاً النيابي هو الذي فتح باب إصدار الصحف فما هو الحال إذا عُلق الدستور؟ فهل سيكون هناك داع لوجود معظم هذه المؤسسات التي ظهرت لأسباب سياسية؟ ثم كيف أصلا ستبقى هذه الصحف في ظل عدم وجود سلطة تشريعية ورقابية تحمي وجودها؟.
*هل نجحت هذه الصحف في منافسة الوسائل القديمة؟
mdash; النجاح دائما ما يقاس من زوايا عدة، كالنجاح في استقطاب المعلن، فحتى في الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا فإن الصحف التي لاتستحوذ على ثقة المعلن والقارئ يكون مصيرها الفشل وبغض النظر عما يشاع عن أشكال الدعم المختلفة سواء من فوق الطاولة أو من تحتها فهذا أمر غير مهم لأنه غير دائم أو مستمر بل انه مظهر تتحكم فيه ظروف ومعطيات كثيرة وقابليته للزوال مؤكدة وبالتالي فإن النجاح مرتبط باستقطاب المعلن وزيادة أعداد المشتركين من المؤسسات والقراء ومرتبط أيضاً بقدرة الصحيفة على اختراق الحراك الاجتماعي والسياسي سواء بالتأثير في قرارات مجلس الأمة أو قرارات الحكومة أو بتوجيه الرأي العام نحو قضية معينة أعطيك مثالاً.. إحدى الصحف الجديدة هاجمت وزيرةً سابقة لمدة خمسة وعشرين يوماً متواصلة بحيث تحرك النواب للإطاحة بها ولم يحدث ذلك وهناك صحيفة تهاجم وزيراً بتصريح صغير على صفحتها الأولى أو من خلال افتتاحيتها وتنجح في تحقيق هدفها وليس أدل على ذلك من بضع كلمات نشرت في لقاء مع وزير النفط السابق على الجراح في جريدة القبس وكانت هذه الكلمات محور استجوابه مع أنها جاءت في ثنايا حديثٍ عام.
* وهل كانت المسارات التي سلكها القائمون على هذه الصحف في اختيار الكوادر في غير محلها؟
لا يمكنني القول انها كانت في غير محلها لكن الظروف التي أطلقت فيها الصحف حيث كانوا يراهنون على شهر أو شهرين لإطلاق صحيفة وأيضاً صارت هناك ألاعيب كثيرة في كتابة السير الذاتية، فالبعض وضع خبرات غير صحيحة وهو ما ساهم في تفاقم المشكلة
* وهل تقصد أن هذه الصحف لم تبن اختياراتها على أسس مهنية؟
أنا أقول ان الصفة الغالبة كانت هكذا ولكن هنا لا يعني عدم وجود بعض العناصر الجيدة وبعد مرور قرابة السنتين على صدور بعضها بدأت تعود الطيور المهاجرة إلى مواقعها القديمة لأنها اكتشفت الفرق في التأثير والقوة
* وهل معنى ذلك أن نجم هذه المشاريع الإعلامية بدأ يأفل أم بإمكانها الاستفادة من تجاربها في تحسين مسارها؟
هناك مبدأ مهم ينبغي مراعاته هو أن أي صحيفة أو وسيلة إعلامية لم تبدأ بقوة مالية وصبر على جني الأرباح لن يكتب لها النجاح، فتجربة الراي حينما انتقلت إلى جاسم بودي حيث صرف عليها ملايين الدنانير وصبر عليها وبنى اسما لصحيفته وفي سبيل ذلك انفق أموالا طائلة ولم يراهن على الزمن فقط وكذلك قناة الوطن الفضائية التي تعتبر الأولى محلياً بشهادة المختصين بينما قناة الراي جاءت في الترتيب الرابع في احدى السنوات على مستوى الدراما العربية
* ومن خلال معايشتنا للصحف الجديدة فما هي الأسس والاعتبارات التي تعتمد عليها في صناعتها التحريرية وتعاملها مع كافة الفنون الصحفية؟
عادة ما تكون اجتهادات من رؤساء التحرير الذين غالباً ما يكونون هم الملاك أو هم المستثمرون وتنقصهم الخبرة والثقافة المهنية وما إلى ذلك وأيضا يعتمدون على أسلوب التخمين أو منهم من اشتغل بالعمل السياسي وهو ما مكنهم من فهم الاعتبارات التي تقوم عليها صناعة الإعلام ولكن حقيقة لا توجد محددات أو معايير ثابتة لسياسات تحريرية تعمل على ضوئها الصحف الجديدة فمثلاً مرة تراها مع الحكومة وتارة أخرى تهاجمها فليس هناك اتساق في مسألة النشر
* وعلى ما تعول هذه الصحف في استمراريتها على الزمن أم على الدعم غير المباشر إذا وجد؟
أنا أعتقد أن هذا ماراثون طويل والعبرة ليست بمن ظهر نجمه أولاً بل لمن سيستمر وعلينا أن ننتظر سنتين أو ثلاثا فهذه الفترة كفيلة برؤية المشهد بصورة جيدة وسوف يتضح الموقف سواء بالحراك السياسي وتطوره أو بجموده أو بظهور بعض المتغيرات على هذا الحراك وأيضاً بعد معرفة الموقف من الأزمة الاقتصادية وغيرها من العوامل.
* هناك من يرى أن هذه الإمبراطوريات بنيت على فلسفة الدفاع عن المصالح فهل تتفق مع هذا الرأي؟
قد يكون ذلك ولكن هناك من الأفراد من استطاعوا تكوين علاقات حميمية مع جميع الصحف وحافظوا على علاقة جيدة دون اللجوء إلى إصدار صحف أو إطلاق قنوات أو غير ذلك لأنهم من خلال هذا العمل يصنفون أنفسهم في اتجاه بعينه قد يكون ذلك وهو من المطالب المهمة عملاً بلغة المصالح لأن العمل الإعلامي يتقاطع مع العمل السياسي والاجتماعي ولكن هناك مصالح مشروعة وأخرى غير مشروعة، فإذا ما كانت الصحيفة تسعى إلى تحقيق مصالح مشروعة في إطار من العدل والمساواة فهذا أمر جيد أما غير ذلك من ابتزاز وفرض سطوة للتأثير على الجماهير بالتضليل فهذا غير جائز وهو ما يعيدنا إلى ما يسمى بالمسؤولية الأخلاقية في التعامل مع المهنة الصحفية.
* وهل نجحت الصحف الجديدة في تشكيل الرأي العام إزاء بعض القضايا أو عطلت قرارات حكومية مثلاً؟
مسألة الرأي العام خطيرة، لكننا نستطيع القول انها استطاعت أن تؤثر في بعض العاملين في السلطة سواء في الجهاز التنفيذي أو مجلس الأمة على اعتبار أن تلك الشخصيات الاعتبارية في الأجهزة المهمة عادة ما تقرأ جميع الصحف، أما مسألة الرأي العام فهي بحاجة إلى جريدة منتشرة تربطها بالقارئ علاقة حميمية وأنا حقيقة أشك في وصول الصحف الجديدة إلى مختلف الشرائح.
*على اطلاقها؟
على الأقل في تحقيق القدر الذي تحققه الصحف القديمة وهذا يشمل جميع الصحف الجديدة، لأن تشكيل الرأي العام ليس أمراً سهلاً.
فكر أيديولوجي
* وهل هذه الصحف في دائرة الحضور أم التأثير؟
هي الآن في دائرة الحضور وإذا كان هناك تأثير فهو على الشخصيات الاعتبارية والجماهير المرتبطة بفكر أيديولوجي أو علاقات مستمدة من تناغم فكري أو مذهبي.
* وهل باتت هذه الصحف كانتونات سياسية؟
بالضبط، فهي مؤثرة في الشرائح التي يعنيها أمرها لكن حينما نتحدث عن الرأي العام فهذا يعني الحديث عن جغرافيا اجتماعية مختلفة من الصعوبة الوصول إليها إلا من خلال صحيفة شاملة.
* مع مرور هذا الوقت على صدور بعض الصحف والفضائيات إلا أن بعضها لم يسمع عنه أحد.. كيف تفسر ذلك؟
من الأخطاء التي صاحبت بعض هذه الوسائل هو ندرة أو ضعف المخصصات المالية، فإما أن بعض القائمين عليها لايدركون أهمية الحملات الإعلامية التعريفية بفلسفة وتوجهات الصحيفة والجديد الذي ستقدمه هذه الوسائل الإعلامية وبعضهم بدأ من خلال الإعلان بالقطارة وراهن على أن القارئ سيبحث عن رغباته واحتياجاته، فهناك صحف صدرت دون حملات إعلامية، وبالنسبة للفضائيات ينبغي أن تكون هناك حملات إعلامية عن التردد البثي حتى يتمكن المشاهد من برمجة جهازه وأخرى للقناة.
* وهل يستطيع المواطن التعامل مع هذا الكم من الصحف؟
بالتأكيد لا فالمواطن بدأ الآن يعود تدريجياً إلى الصحف القديمة وعليك أن تسأل منافذ التوزيع عن الجرائد المقروءة وسوف تجد أنها لا تخرج عن الصحف الخمس القديمة ويمكن لجريدة أو اثنتين أن يخترقا المعادلة.
* كم صحيفة يمكن للقارئ مطالعتها؟
لابد أن نفرق بين القارئ العادي والآخر المثقف أو المسئول، المثقف يمكنه قراءة هذا الكم إذا امتلك الوقت أما العادي فهو يقرأ القديمة لأنها تمتلك الخبرة ولديها مصادرها ولديها كم هائل من المحررين لتغطية مختلف الدوائر الحكومية ولديها خط لبنوراما الأحداث والقضايا وبما أن معظم الصحف الجديدة لا تملك جانباً ثورياً في صناعة الخبر بل انها أشبه ما تكون بناقلة خبر وتدور في فلك المألوف فما هو الجديد الذي ستقدمه؟
*كيف تقيم تعامل هذه الصحف مع الأحداث؟
منها من يتعامل باحتراف ومنها ما يتعامل وفقاً لتوجهاته وأخذاً ببعض المبادئ المهنية وأقصد ما جرت عليه أعراف كتابة الخبر ونشره. فكل صحيفة لها خط فالوطن لها خط قائم على الاهتمام بالتوجهات الإسلامية بمختلف مذاهبها وكذلك القبائل والرأي تحاول أن تكون في هذا الاتجاه أما القبس تمثل الاتجاه الليبرالي المعتدل فيما تمثل صحيفة السياسة توجهاً قريباً من الحكومة والسلطة والأنباء لديها نوع من التحفظ والحذر وتحاول التوفيق بين مختلف التيارات السياسية والأطياف الاجتماعية المختلفة.
* قصدت تعامل الصحف الجديدة مع الأحداث؟
منها ما انطلق من منظور تجاري وفعَل فكرة الإثارة تفعيلاً خاطئاً من خلال أسلوب صياغة الخبر أو نشر أخبار مشكوك في مصداقيتها فأنت تعرف أن الخبر حينما لا ينسب إلى مصدر فهو من أضعف الأخبار، فقد يكون تصرفت فيه إدارة التحرير وهو أسلوب كثر العمل به وقد يعبر عن فلسفة الجريدة في المقام الأول.
* وهل تعتقد أن الحراك السياسي كان المحفز الأول لصدور هذا الكم من الصحف والفضائيات؟
قانون المطبوعات الجديد 3/2006 أتاح الفرصة وأيضاً حداثة التجربة وكسر الاحتكار، أما الحراك السياسي فهو المحفز الرئيسي لظهور هذه الصحف واستمراريتها.
* بعد مرور هذا الوقت على صدور الصحف الجديدة.. كيف تقيم مسيرتها وهل هي حكومية أم معارضة أم محايدة؟
الصحف الجديدة تحتمل كل هذه التصنيفات لكنني متحفظ على تصنيفها بالمعارضة، وذلك لعدم وجود جبهة متماسكة للمعارضة في الكويت، وفكرة المعارضة في الكويت مختلفة عن الفكرة المتداولة للمعارضة السياسية، فالمعارضة في الكويت هي معارضة لتوجهات الحكومة فليست هناك معارضة لنظام الحكم أو ما شابه ذلك فهي إن شئت سمها معارضة أفكار وتوجهات وإدارة وبالتالي فهي معارضة ذات نكهة خاصة.
* وكيف تفسر غياب العناصر الوطنية عن مهنة مديري التحرير؟
للأسف هذه القضية تحتمل أكثر من تفسير من ضمنها استحواذ بعض الجاليات على مهنة الصحافة لسنوات طويلة وحاولت أن تبرهن لمالكي هذه الصحف أو لرؤساء تحريرها بأن العنصر الوطني لا يمكنه استيعاب هذه المهنة والدخول في دهاليزها، ثم ان هذه المهنة تنطوي على مشقة كبيرة خصوصاً وأن مدير التحرير هو من يتحكم في المطبخ الصحفي ولكن هناك عناصر كويتية برعت خلال السنوات الخمس الأخيرة وأثبتت كفاءتها في كتابة الافتتاحيات وكتابة الخبر ومنهم من درس الإعلام وهم بحاجة لمن يولونهم الثقة لتحمل مثل هذه المسؤوليات، واعتقد أنها قضية إيمان وثقة وهذه مسألة لها آثار إيجابية على اعتبار أن الوافد غير ملم بقضايا البلد واحتياجاتها حتى وإن مضى على وجوده فترة طويلة بعكس المواطن لذلك أنا مع وضع المواطن المحترف في هذه المهنة الذي يخضع للإدارة بتحدياتها القاسية وليس بالطريقة الشائعة وفقاً لشبكة المصالح والعلاقات.