محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

تقول: تقدم للزواج مني شاب في العقد الثالث من العمر. سأل أهلي عنه، وعن تعليمه، وعن عمله، فكانت كلها إيجابية. قبلت به من حيث المبدأ، وتمت الخطبة بطريقة كلاسيكية، وبقيت على اتصال هاتفي به فترة تزيد عن الشهر، تحدثنا فيها عن كل شيء في حياته وحياتي تقريباً، واتفقنا منذ البداية على أن نكون صريحين، فرابطة الزواج - كما كان يُؤكد - لا تحتمل المجاملة، والعودة من أول الطريق أفضل من التمادي فيه إذا كان سينتهي إلى الفشل. فوعدته و وعدني بالصراحة والصدق. كان أثناء المكالمات مؤدباً خلوقاً على قدر معقول من الثقافة والوعي. ومع تكرر المكالمات شعرت أنه الرجل الذي أحلم به كزوج، وتم بالفعل الزواج. في الشهر الأول من زواجنا كنت ألاحظ عليه تقلباً مزاجياً حاداً، يحتد مزاجه فجأة دونما سبب، ثم يعود إلى الهدوء - أيضاً - دونما سبب؛ بل وأحياناً إلى الرومانسية، فيغدق عليّ من الكلام المعسول لأصبح (ليلاه) وهو قيس (المتكسّر) غراماً وصبابة؛ وفي الغد ينقلب 180 درجة، يثور ويغضب لأي أمر تافه. مرة رأى موقفاً مشيناً لامرأة في مسلسل تلفزيوني كنت أتابعه وإياه سوياً، فالتفت إليّ وعيناه تتقدان من الغضب، وصب عليّ جام غضبه، فالمرأة - كما قال - غدارة، تنكر المعروف، وتتخلى عن زوجها، وترميه بمجرد أن تكتنفه المشاكل، فهي أول من يهرب عنه وتتركه وحيداً يعاني آلامه.. وذات ليلة صارحني بما كان يخفيه طوال علاقتي به؛ أخبرني أنه (يتعاطى) الحشيش، ويدخنه أحياناً، وأنه (يرتفع) به في العلالي، ويجعله رومانسياً، وديعاً، يقبل على الحب والحياة بلذة لا تعادلها لذة، ومن خلاله يواجه مشاكله الحياتية ؛ وأضاف: الآن، بعد أن تعمّقت علاقتنا، وأصبحتِ جزءاً مني وأنا جزء منك، كان لا بد وأن أصارحك بحبي لهذه (النبتة) الرائعة التي فيها تكمن كل معاني السعادة والحب والرومانسية.. تقول: صُعقت وأنا أسمع ما يقول. تسمّرَت نظراتي شاخصة فيه؛ ومن هول المفاجأة والخوف والهلع لم أجد ما أقول؛ لذت بالصمت وشعرت أن الدم تجمّد في عروقي، أما هذا الرجل الذي علقت عليه كل آمالي، فقد تحول فجأة إلى غول، إلى إنسان حقير، غدار؛ فلم يدر في ذهني يوماً أن أكون زوجة لمدمن مخدرات، يتخذ من الخدر والكيف وسيلة للهروب من مواجهة الحياة. أما هو فأخرج لفافة ودخنها، ثم ثانية، وثالثة، وكأن القيد الذي كان يُقيده في السابق انحل، ولم يعد ثمة ما يخفيه؛ وأخيراً أسلم عينيه للنوم وراح في شخير مقرف. بقيت طوال تلك الليلة محدقة في هذه الجثة (الهامدة) الممتدة أمامي، أحاول أن أقرأ تاريخي معه، وأتذكر أسئلتي التي كنت لا أجد لها إجابة تجاه بعض تصرفاته، ومزاجه المتقلب بحدة بين لحظة وأخرى. الآن عرفت السبب، وأدركت أنه خداع، منحط، ومراوغ؛ وأن رقته وعذوبته مصطنعة، مثلما أن غضبه وحدته مصطنعة أيضاً؛ فكل ما في هذا الرجل مزور. فقد كان المسكين كالقشة التي تلعب بها رياح المخدرات.

تواصل: وفي الصباح، تركت له قصاصة ورقة كتبت فيها (طلقني.. لا أستطيع أن أعيش معك). وذهبت إلى بيت والدي. حاول أن يُعيد الأمور إلى مجاريها، وأن يُخادع بالوعود مرة أخرى، ويصطنع الأعذار، غير أن إلحاحي اضطره إلى الطلاق راغماً.

وفي الختام تقول: طالما أن بالإمكان اكتشاف متعاطي المخدرات من خلال التحليل الطبي كما يقولون، فلماذا لا تحمى الزوجة من الزوج المدمن، وكذلك الزوج من الزوجة المدمنة، بإضافة (التحليل الطبي) لإثبات خلو الزوجين من تعاطي المخدرات كشرط ضرورة في عقد الزواج مثلما هو الوضع في الأمراض المعدية؟

وأنا بدوري أضع هذا الاقتراح - إذا أمكن تطبيقه مخبرياً دون محاذير - أمام المسؤولين.

إلى اللقاء.