لم أندم مطلقا على توقيعي اتفاقية quot;أبوجاquot;...

quot;ميني أركو ميناويquot; كبير مساعدي الرئيس السوداني : لن يتحقق الاستقرار في السودان بدون حل قضية دارفور


لا أحد يمارس علىّ ضغوطا داخل القصر الرئاسى ولكن هناك شعورا بالضيق من تصريحاتى


أنحاز بقوة لخيار الوحدة الطوعية.. والانفصال حتى لو كان سلميا يحمل معه قنابل موقوتة فى الشمال والجنوب


القاهرة mdash; العزب الطيب

quot;ميني أركو ميناويquot; كبير مساعدي الرئيس السوداني ورئيس السلطة الانتقالية بدارفور غاضب مما يجري داخل وطنه ولا يتورع mdash; وهو فى هذا المنصب الرسمى الرفيع المستوى mdash; عن توجيه الانتقادات الحادة الى اداء الحكومة وحزب المؤتمر الوطنى الحاكم لكنه يستند فى ذلك الى رؤية تستهدف مصلحة الوطن دون أن يسعى الى تهميش الاشخاص او المؤسسات.
وهو راغب كما يؤكد فى سودان يقوم على الوحدة الطوعية ويدعو النخبة السياسية الى تجنب المصالح الذاتية، مشددا بنحو خاص على مطالبة حزب المؤتمر الوطنى بالا ينكفئ على ذاته ويتسامح مع القوى الاخرى.
وبلغ به الامر حد المشاركة فى الاحتجاجات الاخيرة ضد الحكومة مع رموز معارضة تنتمى الى قوى سياسية متنوعة.
وخلال زيارته الاخيرة للقاهرة حاورته الشرق للوقوف على أبعاد رؤيته لمستقبل السودان وكيفية الخروج من واقع مثخن بجراحات الازمات والغموض الذى بات يحيط بهذا المستقبل واشار فى هذا الشأن الى ضرورة اجراء عملية انقاذ شاملة حتى لا يتفكك الوطن أو يتشرذم.
* فى تصريحاتك الاخيرة ظهرت متشائما تجاه مستقبل السودان لماذا؟
** ثمة غموض يحيط بمستقبل البلاد وهو يدفعنى الى القول انه اذا لم ينتبه السودانيون لما يتعرض له الوطن حاليا من خلال التركيز على اجراء عملية انقاذ شاملة بعيدا عن الانكفاء على الذات فقد يندفع الى الضياع عبر التقسيم والتشرذم
الانقاذ المطلوب
* فى رأيك كيف يمكن القيام بعملية الانقاذ المطلوبة؟
** ذلك مرهون بالدرجة الاولى بحزب المؤتمر الوطنى بحيث يتجه الى الانفتاح على كافة القوى السياسية الاخرى بعيدا عن التخندق خلف ارائه فذلك لن يكون مجديا على الاطلاق سواء لمستقبل السودان او حتى بالنسبة للحزب.
* لوحظ مؤخرا انتقالك الى خانة المعارضة وهو ما تجلى فى مشاركتك فى الاحتجاجات الاخيرة ضد المؤتمر الوطنى؟
** ما جرى مؤخرا يعكس طبيعة المرحلة والظروف التى يعيشها السودان حاليا.
* هل يعكس ذلك قدرا من اليأس من اداء المؤتمر الوطنى؟
** ليس ثمة شك فى ان الكثير من القوى فى السودان بلغت حد الذروة من يأسها من ممارسات المؤتمر الوطنى وسلوكه السياسى فى الآونة الاخيرة، فعلى سبيل المثال فان قناعتنا فى حركة تحرير السودان أن قضية دارفور على قدر كبير من الاهمية باعتبارها تشكل جزءا كبيرا من الكيان السودانى ومن دون تحقيق السلام والاستقرار فيها ومشاركة أهل الاقليم فى الحياة السياسية فانه لن يتحقق الاستقرار والسلام فى الوطن بأكمله ولاشك ان معاناة سكان دارفور ما زالت مستمرة بسبب ممارسات المؤتمر الوطنى الذى يتعين عليه ان يدرك ان السودان ليس ملكا لحزب ولا لأشخاص بعينهم وانما لكل السودانيين.
** ألا ترى ان ثمة تمايزا داخل قيادات المؤتمر الوطنى تجاه هذه القضية؟
* فى الحقيقة إنهم مختلفون فمنهم الحمائم ومنهم الصقور، ومن الطبيعى أن يختلفوا فى تصرفاتهم وسلوكهم، فبعضهم يتحدث ويتصرف بنوع من الموضوعية، وبعضهم لديه شىء من العنصرية، والنزعة الأخيرة تقود البعض منهم إلى ممارسات خاطئة وإلى تحقيرهم وتصغيرهم للآخرين وأشياء أخرى، وهذا أمر لايمكن قبوله فى القرن الحادى والعشرين، فضلا عن اعتزاز وشعور زائد بالقوة، رغم أن هذه القوة هى مقدرات الشعب السودانى وليست ملكا لشخص أو حزب، وليست حكرا لهم وستبقى هذه القوة لأى حكومة قادمة، كما كانت ملكا لكل حكومة سابقة، ومن المؤكد أن استخدام القوة فى غير موقعها أسلوب خاطئ لاينبغى اللجوء إليه.
تحالف جوبا
* هل هذا الموقف دفعك الى الانضمام الى ما بات يطلق عليه بتحالف جوبا الذى يضم القوى والاحزاب المناهضة للمؤتمر الوطنى؟
** كنت مع هذا التحالف منذ البداية، وكان من المفترض أن أحضر اجتماعاته بالجنوب التى عقدت فى نهاية العام الماضى، لكن قيادات المؤتمر الوطنى طلبت منى عدم الحضور مقابل تحديد جدول زمني لتنفيذ بنود اتفاقية أبوجا، خلال 72ساعة واستجبت لذلك وان كنت قد كلفت قيادات اخرى فى حركة تحرير السودان بالمشاركة فى المؤتمر وللاسف فان شيئا مما تم الاتفاق معى بشأنه لم يتم حتى هذه اللحظة.
* يصنفك البعض بأنك أصبحت معارضا من داخل القصر الرئاسى تطلق التصريحات النارية من حين لآخر.. ألا ينطوي ذلك على نوع من المفارقة وهل تمارس عليك ضعوط ما فى هذا الاتجاه وهل تشعر بضيق رسمى مما تدلى به من تصريحات تتناقض مع مواقف الدولة التى انت كبير مساعدين لرئيسها؟
* لا أحد يمارس علىّ ضغوطا داخل القصر الرئاسى من أى نوع بيد اننى أشعر ان ثمة من يضيق بتصريحاتى رغم أننى لا أستهدف الأشخاص بقدر ما أستهدف قول الحقيقة.
* بعض الكتاب القريبين من المؤتمر الوطنى استنكفوا مشاركتك فى الاحتجاجات الأخيرة وهاجموك بشدة؟
** بعض هؤلاء الكتاب تعد كتاباتهم جريمة فى الشارع السودانى لأنهم يجاهرون بالدعوة للانفصال والعنصرية، فى بلد عاش موحدا آلاف السنين، ويحرضون أهله ضد بعضهم البعض، وهم من عاشوا فى تزاوج وتصاهر منذ أن خلقهم الله فى كينونة واحدة.
* هل تشعر بالندم على التوقيع على اتفاق أبوجا بخصوص انهاء الحرب فى دارفور؟
** وقعت على هذا الاتفاق بقناعة وإيمان بضرورة وقف الحرب، رغم أنه لم يحقق جميع مطالب أهل دارفور غير انه اسهم فى خلق اوضاع أفضل بكثير من الأوضاع السابقة، وكان له بعض الانعكاسات الإيجابية ميدانيا، وحتى قبل التوقيع على إتفاق أبوجا لم أترك أحدا فى صفوف الحركات المسلحة بدارفور بدون أن أطرق بابه خاصة الدكتور خليل إبراهيم وعبد الواحد محمد نور وحذرتهما آنذاك من أن عدم توقيعهما للاتفاق سيؤدى إلى تشرذم الحركات المسلحة بدارفور وتفتيت المجتمع الدارفوري، وقلت لهما الأفضل لنا التوحد وتوقيع الاتفاقية التى نراها ضعيفة، لكى ندخل بقوة وحدتنا، ونحقق عبر العمل السياسى باقى طموحاتنا وللوصول إلى غاياتنا عبر الانتخابات، وهذه كانت قناعاتى التى لم أندم عليها، لكن من ينبغى أن يندموا هم الطرف الآخر الذى لم يف بالتزاماته ولم ينفذ اتفاق السلام.
انفصاليون
* كيف تنظر لمصير تحالف جوبا المناوئ للمؤتمر الوطنى بعد إجازة الحركة الشعبية للقوانين الخاصة باستفتاء حق تقرير المصير للجنوب؟
**هناك من يرغب فى الانفصال داخل صفوف المؤتمر الوطنى، وفى المقابل هناك انفصاليون فى الجنوب وداخل صفوف الحركة الشعبية، وفى نفس الوقت لايمكننا تجاهل التراكمات والغبن الذى ترسب فى نفوس الشماليين والجنوبيين منذ عام 1955 قبل استقلال السودان وحتى الآن والذى خلق أجواء من الاستقطاب والاستقطاب المضاد، فتربت أجيال كثيرة فى الشمال والجنوب على نوع من العنصرية، وكان يوم وصول الجبهة الإسلامية للحكم عام 1989 بمثابة بداية قوية للتمهيد للانفصال، لأنها أعلنت الشريعة الإسلامية وأحلت سفك الدماء فى الجنوب تحت مسمى الجهاد، وأدى كل ذلك إلى تعزيز النزعة الانفصالية لدى الجنوبيين.
* ومن يستطيع تغيير هذا الواقع المؤلم؟
** يستطيع تغيير الوضع بشكل كبير الرئيس عمر البشير ونائبه الأول رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت.
* وهل ذلك مرهون بموقفيهما فقط أم بإجماع وطنى بين القوى السودانية الرئيسية؟
** حتى الآن يبدو ان القوى السياسية السودانية فى الشمال سلمت بحتمية انفصال الجنوب، وتحقيق وحدة السودان واستقراره بالقطع لايتوقف على البشير وسلفاكير فقط رغم أهميتهما، ولكنهما مرهونان بفاعلية الأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدنى حيال هذه القضايا المصيرية.
الوحدة الطوعية
* هل تتوقع ان يتم انفصال الجنوب بشكل سلمى أم فى ظل اجواء من التوتر والصراع؟
** بادئ ذى بدء نحن نؤيد اجراء الاستفتاء وحق تقرير المصير لكل السودانيين بمن فى ذلك أهل الخرطوم أنفسهم لتحقيق وحدتهم مع الآخرين بالطريقة التى ترضيهم، ولكننا منحازون فى النهاية لخيار الوحدة الطوعية وفى تقديرى فان اتمام الانفصال حتى بصورة سلمية سيحمل معه قنابل موقوتة فى الشمال والجنوب، وهذه القنابل الموقوتة يمكن أن تؤدى لحراك سلبى بين الطرفين فى حال انفصال الجنوب، وقد تقود إلى كوارث فى المستقبل وعدم استقرار الطرفين معا، لكننى أخشى على الشمال فى حال انفصاله أكثر من الجنوب.
* لماذا؟
** لأن الجنوبيين يريدون الآن أن يعيشوا بسلام بعد خروجهم من حرب استغرقت خمسين عاما، أما فى الشمال فبدأت فيه بعض حركات التمرد فى الظهور، وقد تحدث تمردات اخرى لا قدر الله فى مناطق لايتوقعها أحد.
* هل تخشى أن يصبح السودان أكثر من كيانين كما حذرت بعض الأصوات مؤخرا؟
** للاسف معطيات الواقع المرير الذى يعيشه السودان اليوم قد تقود إلى ذلك، فالواقع أن الحروب الجارية قد أعادت تشكيل الناس وأعادتهم إلى خنادقهم ومناطقهم، بعد أن كانوا محكومين بالشمولية، ويتضح ذلك فى الحشود الجماهيرية والخطاب الاعلامى القائم على الاستقطابات المناطقية الحادة وفى الندوات السياسية نجد فى كل ندوة قطاعات تشبه بعضها بعضا، حيث عاد الناس لمناطقهم، وداخل كل منطقة تظهر القبلية.
تحالفات انتخابية
* فى الانتخابات المقبلة أى تحالفات تتوقع نشوءها، تحالف بين الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة الشمالية أم بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية؟
** من المتوقع أن يركز المؤتمر الوطنى على تحييد الحركة الشعبية بشأن أى مشاركة فعلية فى الشمال تمهيدا لاستقطاب القوى الشمالية بتصوير الأمر كأنه بين الشمال والجنوب لتحييد القوى الشمالية، ومن جانبها فان الحركة الشعبية إذا وجدت من يعينها على تأمين مصالح الجنوب فربما تكتفى بذلك.
* قلت لا سلام بدون دارفور.. هل هذا يعنى تحذيرا من أن تتم الانتخابات قبل التوصل لاتفاق سلام بشأن الإقليم؟
** الانتخابات لن تمنع المطالبة بالحقوق، ولابد على الأقل إبداء حسن النوايا تجاه أهل دارفور
* تقرير حكماء أفريقيا الذى تبناه الاتحاد الأفريقى هل يطرح حلولا شاملة لأزمة دارفور من وجهة نظرك؟
**التقرير أكد عدم وجود قضاء مستقل فى السودان، وأن القانون يستخدم ضد مبادئ القانون.
* ما رأيك فى قبول المؤتمر الوطنى المتحفظ له؟
** المؤتمر الوطنى بين مطرقة المحكمة الجنائية وسندان الاتحاد الأفريقى الذى يريد إبعاد الجنائية، وبالتالى لو رفض السودان هذا التقرير يكون قد دخل فى عداء سافر مع الدول الأفريقية، ولو قبله سيجعل من السودان دولة منقوصة السيادة، ولذا لا يصرح المؤتمر الوطنى كثيرا بشأن التقرير الأفريقى بعد أن قبله بتحفظات وهو مجبر.
عملية مستمرة
* وكيف تنظر لتداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية على السودان؟
** قرار المحكمة الجنائية الدولية هو ضمن عملية مستمرة من قرارات مجلس الأمن، وحتى يتم تفاديها وإقناع المجتمع الدولى الذى يتبنى المحكمة بالعدول عن قراراته لابد من تغيير على الأرض، لأنه مهما رفض السودان ودول الإقليم ضد القرار بدون تغيير حقيقى على الأرض فسيسرى القرار، وتعديل الوضع الحالى المرير الناجم عن أزمة دارفور يحتاج إلى حكمة من جميع السودانيين ابتداء من القيادة ونهاية بالقاعدة، وهناك تجربة سابقة فى جنوب أفريقيا، تمثلت فى تجربة المصالحة والعفو والتسامح المتبادل، وهى تجربة حية لاينبغى تجاهلها، ولو تكررت هذه التجربة فى السودان سيغلق الباب أمام المحكمة الجنائية وغيرها من التداعيات.
* وهل تنجح تجربة المصالحة بجنوب أفريقيا فى دارفور؟
** نعم فدارفور لن تستفيد من محاكمة شخص أو أربعة أشخاص، وإنما ستستفيد من الاستقرار وقبول الآخر.
* هل يعنى ذلك رفض المحاكمات الدولية؟
** الحكمة تقتضى ذلك، وهذا هو موقفى، ولو كنت محل المؤتمر الوطنى الحاكم لجلست مع أهل دارفور وطلبت منهم السماح.
* الى اى مدى تغيرت الأوضاع على الأرض بدارفور وهل توافق على ما تقوله الحكومة السودانية بشأن انتهاء الحرب بينما المنظمات الدولية تقول ان المعاناة مازالت مستمرة ماذا تقول أنت؟
*هناك فرق بين نهاية الحرب وحل المشكلة، الحرب يمكن أن تنتهى بانتصار طرف وهزيمة آخر أو تنتهى بمرحلة من السأم والملل من الحرب أو عبر الاتفاقيات، صحيح فى الوضع الحالى هناك تهدئة، لكن أسباب الصراع مازالت موجودة، وأى نار يمكن أن تعيد إشعال الأوضاع برمتها، واتفاقية أبوجا نفسها نار تحت الرماد، وفى دارفور نفسها هناك نار تحت الرماد، والجانب الإنسانى لم يتحسن، فالمعسكرات ماتزال مكتظة بالنازحين واللاجئين، وإذا لم تحل قضية هؤلاء ستبقى القضية بدون حل.