إياد الدليمي


منذ أن وضعت إيران على أجندة السياسة الخارجية لأميركا وعدد من الدول الأوروبية وطهران تنشط في ما يعرف بسياسة تفريخ الأزمات التي تجيدها، فهي تحمل الشيء الكثير من الدهاء والمكر الفارسي الذي عرفت به تلك البلاد.
لقد أتيح لإيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة الخميني عام 1979 أن تتوسع وتتمدد على حساب العديد من القوى السياسية والدينية في المنطقة، مستغلةً الدوافع الطيبة التي أبدتها العديد من تلك القوى التي هللت لمجيء جمهورية إسلامية في إيران، بل إن البعض لم يتوانَ عن الوقوف علانيةً مع إيران في حربها مع العراق.
في خارطة النفوذ الإيراني، نرى لبنان أولاً ومناطق هامشية في إفريقيا ثانياً ومن ثم خلايا نائمة في الخليج العربي، وجودها لم يعد تخميناً أو ضرباً من الخيال، وإنما حقيقة، كما أعلنها مؤخراً وزير الخارجية البحريني، ونجد بعد ذلك العراق الذي تحول إلى واحدة من أهم البؤر التي تعتمدها إيران لتفريخ الأزمات، ثم كان اليمن، وغير مستبعد عن هذه الخارطة حتى سوريا، التي دخلت حلفاً قديماً مع إيران لا يبدو أنه قابل للانفكاك في المستقبل القريب.
وبين تلك الخارطة الإيرانية التي امتدت وتشعبت هناك بؤر إيرانية في العديد من الدول الأوروبية وأميركا، وهي بؤر فاعلة تعتمد بالدرجة الأساس على إيران في تمويل نشاطاتها وبث أفكارها وبناء معالمها الخاصة.
تسعى طهران من خلال سياسة تصدير الأزمات لإرباك الأوضاع في المنطقة والإقليم الدولي، فهي تعرف جيداً أن مفاوضاتها بشأن ملفها النووي تكتسب قوتها من قوة نفوذ إيران الخارجي.
قراءة سريعة لخارطة النفوذ الإيراني في العالم ومدى تشعبها، تجعلنا ندرك حجم الضغط الذي تعيشه إيران داخلياً وخارجياً من خلال العقوبات الاقتصادية، فالفترة الماضية شهدت تصعيداً واضحاً للأزمات في مناطق النفوذ الإيراني، فالعراق يحطم اليوم الرقم القياسي كبلد يعيش بلا حكومة منذ الانتخابات التشريعية ولا يبدو أن الأزمة العراقية قابلة للحل قريباً، وطبعاً إيران تتسيّد مشهد هذه المعركة السياسية، وتصريحات رئيس القائمة العراقية إياد علاوي في سوريا عقب لقائه الرئيس السوري بشار الأسد لا تحتاج لكثير من التعليق، عندما طلب من الأسد التوسط لدى إيران لكف يدها عن العراق.
في لبنان، باتت المحكمة الدولية تهدد بتفجير الوضع في هذا البلد المضطرب، وكأن هذه المحكمة أنشئت بالأمس، وليس منذ خمسة أعوام، فحزب الله الذي لا يُخفي تبعيته لإيران، يهدد بحرب شاملة إذا ما صدر القرار الظني من قبل تلك المحكمة وأشار بأصابع الاتهام لعناصره، متوعداً كل مَن يفكر في المساس به أو بعناصره، ولا ندري لماذا لم يتخذ الحزب قراراً وسطاً كما أعلنت سوريا عندما كانت على لائحة الاتهام، وأكدت أنها سوف تحاكم أي سوري متورط في اغتيال الحريري، دون أن تسلمه للمحكمة الدولية، لماذا لم يتخذ حزب الله ذات الموقف إذا كان حريصاً على السلم الأهلي في لبنان؟
والبحرين، وجدت نفسها في لحظة فارقة بمواجهة مجموعة منظمة تخطط وتسعى لقلب نظام الحكم، وهي المجموعة التي اعترفت بأنها تلقت تدريبات وأموالاً من دولة مجاورة، فمن هي هذه الدولة يا ترى غير إيران.
وغير بعيد عن الأزمات السياسية، طلع علينا ذاك المعمم فارسي الهوى، ياسر الحبيب، من لندن يتهجم على أم المؤمنين عائشة ويتهمها بشتى التهم، مع سب وشتائم أخرى لأبي بكر وعمر -رضوان الله تعالى عنهما- دون أن تكون لذلك أية مناسبة معروفة لدى الشيعة، ما خلا تلك المناسبة التي ابتدعها هذا الدعي وسماها فرحة الحسن بوفاة عائشة.
لقد فتح هذا laquo;اللاحبيبraquo; نيران الطائفية المتبادلة، وكأن هناك من أوحى إليه بأهمية أن يفجر تلك القنبلة التي ما زال البعض يصر على أن تبقى مدفونة بين الرمال، حفاظاً على laquo;اللحمة الوطنيةraquo; متوهماً أنه بذلك سوف يحافظ عليها، متناسياً أن الذب عن عائشة هو رد فعل على فعل مقيت صدر من أولئك الطائفيين.
ليس من باب المؤامرة، وإنما هي الحقيقة التي لا يجب أن تحجبها دعوات الوسطية أو الوطنية، فإيران متورطة ومتورطة في هذه الملفات وغيرها، فالمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي قال رداً على هذا المتهالك، إنه لا يجوز التعرض لرموز أهل السنة وشتم عائشة، بدل أن يصدر فتوى ملزمة من مرجعيته في قم ومرجعية النجف بحرمة التعرض لأم المؤمنين عائشة وصحابة رسول الله، ومعلوم أن لدى الشيعة مركزية تؤهلهم لإلجام تلك الألسن التي تتهجم على رموز المسلمين والإسلام وليس رموز أهل السنة كما يعتقد المرشد.
أعلم أنه كلما زادت وتيرة التصعيد في مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم، فإن إيران الداخلية تعاني من أزمات وليس أزمة، وغير بعيد عن ذلك تصاعد وتيرة التفجيرات التي استهدفت الحرس الثوري الإيراني، خيرة القوات الإيرانية تدريباً وتجهيزاً، وآخرها التفجير الذي استهدف عرضاً عسكرياً لمناسبة ذكرى الحرب العراقية- الإيرانية.