عبد الرحمن الراشد


سكينة أشتياني، سيدة في الأربعينات، قررت السلطات الإيرانية إعدامها رجما بتهمة الزنى، ورغم أن السلطات قالت إنه حكم قضائي لن تتدخل فيه، فإنها تراجعت وأعلنت في بيان وزعته عبر سفاراتها في أوروبا لاحقا أنها ألغت عقوبة الرجم. لا شك أبدا أن تراجعها نتيجة التنديدات الدولية، التي بدأت تتشكل كعاصفة خطيرة ضدها.

وهذا يوحي بالكثير في فهم السلوك الإيراني، وخاصة في مسألة تراجع النظام عندما يشتد الضغط عليه. مثلا، هل يمكن أن يفلح الضغط الاقتصادي في ردعه عن بناء سلاحه النووي؟ وهل التهديد باستخدام القوة العسكرية يمكن أن يفرض على القيادة الإيرانية إعادة حساباتها؟ هل تنفع الحملات الدولية في هز الموقف الرسمي؟

لدينا دليل واحد على مرونة القرار الإيراني، حيث تراجعت في الساعة الأخيرة، قبل قليل من موعد إعدام المرأة المحدد يوم الجمعة، وأعلنت وقف العقوبة، لكنها رغم سنوات من الضغوط في الموضوع النووي حتى الآن لم ترضخ.

لماذا خافت إيران من تبعات عقوبة الرجم فتراجعت ولم تقلق بعد من شأن التهديدات الموجهة ضدها بشأن مشروعها النووي؟

من الجلي أن ثمن العفو عن امرأة في الحسابات العليا رخيص جدا، مقارنة بثمن التنازل عن مشروع نووي يجعل إيران غدا مهيمنة على المنطقة. تراجعت في الرجم ورفضت وقف التخصيب. لكن يظل هناك ثمن ما، فتراجعها عن رجم المرأة أمام مواطنيها، وتدخلها في أحكام القضاء بعد أن كانت تتشدق باستقلاليته، وضعاها في موقف محرج، خاصة أن في داخل إيران معارضة نشطة لا توفر أي فضيحة لنشرها علانية للتشهير بالنظام.

مع هذا التعارض فإن انحناءة النظام الإيراني أمام الضغوط الدولية وتراجعه عن حكم الرجم يكشف أنه أكثر ذكاء مما يقال عنه، حيث كان يوصف بأنه دوغمائي ديني متحجر، وسياسي جاهل. وهذا بخلاف نظام صدام حسين، الرئيس العراقي الراحل، الذي اشتهر بعناده وتحديه للعالم، وبسبب ذلك تورط في سلسلة قرارات قضت عليه لاحقا.

فقبيل أشهر من غزوه الكويت اعتقل الصحافي البريطاني فارزاد بازوفت واتهمه بالتجسس وحكم بإعدامه، ورغم المناشدات الدولية لإنقاذ الصحافي فإنه أصر على قراره. فعلته تلك ألبت الرأي العام الدولي ضده وجعلت استهدافه لاحقا مسألة مقبولة شعبيا ودوليا. وعندما غزا الكويت قيل له أن ينسحب حتى لا يقضى على جيشه فرفض ودُحر.

السلطات الإيرانية تتحدث بلغة قاسية، لكننا لمسنا أنها تتراجع بلغة ذكية. فهي عادت للمفاوضات على مشروعها النووي، مع أنها تعهدت علانية بألا تفاوض الغرب إذا أقر قرارات العقوبات الاقتصادية. العقوبات الآن تنفذ وإيران قالت ستفاوض. هذه العقلية البراغماتية توحي بشيء من الأمل بأن طهران ربما في الساعة الثالثة والعشرين قد تدور وتتخذ موقفا ينهي الأزمة، بوقف تخصيب اليورانيوم الداخلي.