خلف الحبتور

أتى الأمريكيون وغزوا العراق، مهد الحضارة وقلب الوطن العربي، ودمروه، وهاهم الآن بكل أسف يسلمونه إلى أناس ولاؤهم لإيران أكثر من ولائهم لوطنهم . كثيرون جداً من الأبرياء ماتوا نتيجة للغزو في ،2003 كثيرون من الناس فقدوا أحباءهم لأي هدف كان كل ذلك؟ لم يكن لدى العراق أسلحة دمار شامل، والأدلة التي توصل إليها التحقيق البريطاني في غزو العراق تؤكد أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني كانا يعرفان ذلك منذ البداية .

الولايات المتحدة تزعم أنها شنت تلك الحرب للقضاء على ldquo;القاعدةrdquo; وهو زعم كان زائفاً أيضاً حيث لم يكن في العراق أية جماعات إرهابية قبل الحرب . وفي المقابل أكد قائد القوات الخاصة الأمريكية باتريك هيغينز أن ldquo;القاعدةrdquo; وغيرها من المجموعات الإرهابية في العراق لا تزال ldquo;على قوتها إلى حد كبيرrdquo; . لم تحقق القوات الأمريكية سوى القليل طوال السنوات السبع السابقة . ولا يزال العراق غير مستقر كحاله منذ بداية الحرب .

وحين سقطت كل ذرائع الغزاة لحربهم، أخذوا يركبون مطية إحلال الديمقراطية في العراق . كانت تلك كذبة أخرى كسابقاتها . إذ كيف يمكن لبلد منكوب بالصراع الطائفي والهجمات الإرهابية أن يكون ديمقراطياً، وما معنى هذه الكلمة؟ لقد مرت شهور عدة على الانتخابات ولا يزال العراقيون حتى اليوم ينتظرون معرفة من سيكون رئيس وزرائهم المقبل .

على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وإدارته تقديم كشف حساب عن كثير من المسائل . لكن ما دامت أمريكا تملك حق النقض في مجلس الأمن الدولي فلن يتمكن أحد من محاسبتها . وكأن غزو العراق الذي لم يكن له من مبرر سوى الأكاذيب لم يكن كافياً لواشنطن التي أتبعت ذلك بأن سلبت العراق وحدة شعبه وهويته العربية . لقد دمرت الولايات المتحدة العراق من دون أي اكتراث بالمستقبل أو بأي شيء آخر سوى الرغبة في معاقبة كل من اعتبرت أنه وقف في صف الرئيس السابق صدام حسين .

حلت الولايات المتحدة الجيش العراقي ودمرت الوزارات وفصلت كل منتسبي حزب البعث من وظائفهم . ثم أقامت محكمة اعتباطية لمحاكمة صدام حسين الذي كان تنفيذ حكم الإعدام فيه صبيحة يوم العيد بمثابة إهانة للعرب والمسلمين، وكان ذلك مدعاة للابتهاج في واشنطن . ثم تم تسليم زمام السلطة في العراق لساسة أمضوا جل حياتهم في الغربة وولاؤهم لإيران أقوى بكثير من ولائهم للعراق .

إبراهيم الجعفري الذي أصبح رئيساً للوزراء في الحكومة الانتقالية العراقية أمضى تسعة أعوام في إيران . كما تناوب رئيس الوزراء المنقضية ولايته نوري المالكي على الإقامة بين إيران وسوريا والأردن . وفي سبتمبر/ أيلول 2006 قام المالكي بزيارة رسمية لإيران وهناك وصف إيران قائلاً بأنها ldquo;أخ وصديق طيبrdquo; .

صادف الشهر الماضي نهاية ما سمتها أمريكا زوراً ldquo;عملية الحرية للعراقrdquo; . القوات الأمريكية بدأت بالانسحاب مفسحة المجال أمام الدبلوماسيين الأمريكيين ليتسلموا المهمة . وغادر حوالي 96 ألف جندي أمريكي من القوات القتالية العراق بحلول الأول من سبتمبر/ أيلول فيما بقي حوالي 50 ألف جندي في العراق لتقديم ldquo;المشورة والمساعدةrdquo; للعراقيين حتى 2011 على أقل تقدير .

لا أحد متيقن مما سيحدث بعدها، غير أن الأبواب ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات سواء تصاعد الصراع الطائفي المنفلت من أية قيود أو حدوث فراغ في السلطة لا شك بأن إيران التي تنتظر هي من ستملؤه . الأيدي الإيرانية سبق أن وصلت إلى لبنان واليمن وغزة والصومال والسودان . والعراق محكوم بأن يصبح أيضاً قاعدة لإيران .

طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء العراقي السابق في حكومة الرئيس صدام حسين، اتهم الأمريكيين بترك ldquo;العراق للذئابrdquo; مع اشتداد وطأة العنف خارج المدن العراقية . وقال: ldquo;كلنا ضحايا الولايات المتحدة وبريطانيا . لقد قتلوا بلدنا بوسائل عديدة . حين ترتكب خطأ فعليك إصلاحه لا أن تترك العراق للموتrdquo; .

ومع وصول أعداد القتلى في العراق في يوليو/ تموز الماضي إلى ذروتها منذ مايو/ أيار 2008 فليس مستغرباً أن يشعر عزيز بالقلق . إن الأمريكيين هم الذين صنعوا المشكلة وعليهم حلها وهو ما لم يفعلوه حتى الآن . لا يزال العراقيون يعانون من البطالة والفقر بل وعدم توفر الكهرباء والماء النظيف والمرافق الطبية المجهزة .

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي اقترحت خطة لمستقبل العراق وبعثت بها إلى الرئيس أوباما ورئيس وزراء بريطانيا السابق غوردون براون، ودعوت في تلك الخطة إلى حل البرلمان العراقي وفرض قانون الطوارئ مؤقتاً وتأسيس هيئة ldquo;الحقيقة والمصالحةrdquo;، وتعيين ldquo;رئيس ورئيس للوزراء قويين وعلمانيين وغير منحازين ومن دون أن تكون لهما روابط معروفة بإيرانrdquo; .

العراق حتى المستقبل المنظور بحاجة لأن يحكمه رجل قوي، رجل وطني حقاً لا يتسامح أبداً مع الطائفية، رجل يضع مصلحة كل العراقيين أولاً في كل ما يقوله أو يفعله سواء كانوا سنة أو شيعة، عرباً أو كرداً أو تركماناً أو مسيحيين . أما الديمقراطية فلا يمكن العودة إليها إلا بعد أن يكون كل الأمريكيين وكذلك المرتزقة قد رحلوا، وبعد أن يكون العراقيون قد استعادوا روحهم الوطنية .

المؤسف هو أن أوباما لا يكترث بما يمكن أن يحدث للعراق . هو حريص على أن يخرج بقواته بأسرع ما يمكن ليستخدمها في تعزيز وضعه في حرب أفغانستان . وفي خطاب ألقاه أوباما مؤخراً حاول أن يضفي طابعاً رومانسياً على الدور العسكري الذي قامت به القوات الأمريكية في العراق متناسياً أنه قبل أن يصبح رئيساً وصف غزو العراق بأنه ldquo;حرب غير متعقلة لم نستخدم قوتنا العسكرية فيها بتعقلrdquo; .

مهما كان لون الثوب الذي يريد أوباما الآن أن يغطي به رعونة بلاده فلن يتمكن من إخفاء الضرر الذي أصاب سمعتها . وربما يكون بمقدور أوباما أن يواسي نفسه بالزعم إنه لم يكن الرئيس الذي أمر بغزو العراق . ولكن هل سيكون بمقدوره أن يغفر لنفسه تسليم العراق لإيران على طبق من فضة؟