سيد أحمد الخضر


قبل أيام شاهدت جزءاً من فيلم على قناة الجزيرة يتناول القرصنة في الصومال، تلك المشكلة التي تؤرق القوى الاقتصادية والعسكرية على حد السواء، وتفرض نفسها على المحافل الدولية، وربما تأتي بنتائج إيجابية لأن ضرورات تأمين الملاحة البحرية قد تدفع العالم القوي إلى مساعدة الصومال على الاستقرار وبناء مؤسسات عامة لخدمة هذا الشعب الذي ينزف دماً منذ عشرات السنين.
وبالمناسبة فإنه من الظلم إرجاع دوامة العنف في الصومال إلى مكر الغرب وعدائه للمسلمين والتغافل عن حقيقة أن الشعب هناك للأسف يألف الفرقة ويعشق الاقتتال.
لكن ليس هذا موضوعنا اليوم، فما لفت انتباهي في الفيلم، هو الحوار الذي أجراه الصحافي مع أحد القراصنة.. لقد اتسم الحوار بالتوتر إلى حدٍ ما، ووصف القرصان أسئلة الصحافي بأنها سخيفة جدا قبل أن يجد الأخير كلمة السر التي جعلت الفتى الصومالي يتحدث إلى محاوره بأريحية أثناء الحديث عن حجم نصيب الشاب من الفِدى التي تدفع عن السفن، إذ كشف الفتى النحيل أن حصته من آخر عملية كانت ثلاثين ألف دولار أميركي، وعندما سأله الصحافي فيم أنفقت المبلغ؟ قال: laquo;أنفقتُه في النساء. هذا ليس ذلك المال الحلال. ننفقه في الحفلات والترفيه لا شيء غير هذا، ماذا أفعل بها؟raquo;
لقد اختار الشاب أن يكون صادقا وبدا مقتنعا بالمخاطرة من أجل الإنفاق على الملذات ووجد المبرر الشرعي للمجون في أن المال ليس حلالا وربما له مبرراته أيضا في اعتراض السفن. المهم أن هناك ثلاث ملاحظات على هذا الحديث الشائق:
الأولى، هي أن قدرة المرأة على الإغواء صالحة لكل زمان ومكان فلا يزال سلاح الأنثى يتجاوز حدود المنطق ومعطيات الواقع، ففي الصومال الذي تعبث به الخلافات وتمزق أشلاءه الصراعات هناك شباب يتجلدون كل صباح لمنازلة أميركا وفرنسا في عرض البحر من أجل ترف بعض النساء، رغم أن سكان البلد لا يفكرون حتى في الضروريات، فتثنّي الغانيات في سوق بكارة يتخيرن في البضائع ويدفعن الثمن بالدولار يدفع هذا الشاب لمعاداة العالم وتحدي المحكمة الدولية التي يخافها الرؤساء، طبعا ليس الرئيس السوداني عمر حسن البشير من هؤلاء، ولعل هذا ما يعقّد مشكلة القرصنة حيث تداخلت فيها الخيوط العاطفية والاجتماعية بالعوامل الاقتصادية وباتت في بعض قرى الصومال شرط كفاءة للزواج، فأول صفة في فارس الأحلام هي أن يكون قرصانا بحريا!
أما الملاحظة الثانية فهي حضور الدين في كل شيء والرجوع إليه في تبرير كل شيء، فالفتى الذي يمخر عباب البحر في سبيل الشهوات يجد نفسه معنيا بالحديث عن الحلال، فحتى لا يدخر مالاً من حرام عليه أن يموّل سهرات التبرج والغناء ويرعى الحفلات الماجنة.. ثبّت الله لك الأجر يا صديقي!
غير أن مبدأ laquo;أنفقته في النساءraquo; هذا ليس خالصاً للصوماليين دون أشقائهم العرب، بل تبدو تصرفات هذا الشاب نموذجا حيا وواقعا معاشا في العالم العربي، فتعلمون أن الكثير من ساستنا يهون عليهم الإنفاق على النساء وما يتعلق بهن من سياحة وفن، ويجب أن لا نلومهم، لأن أموالهم ليست حلالا فهي حقوق الفقراء والمساكين ومن الأحسن لهم أن ينفقوها في ما تشتهي أنفسهم حتى يتخلصوا من الحرام، طبقا للفتوى الصومالية الجديدة، ولا تنسوا أن الصومال عضو بالجامعة العربية، ولعل هذا أيضا ما يفسر عزوف غالبية مسؤولي ورجال أعمال الأمة المجيدة عن العمل الخيري، لأن أصل المال حرام والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. وبما أن أنه بات واضحا أن إدمان المسؤولين على التبذير سببه الخوف من الحرام نقول للشعوب العربية: موتوا بغيظكم فترف الوزراء والرؤساء تمليه تعاليم الشرع والخوف من الله، وهذه هي الملاحظة الثالثة.