سعيد حارب


أزمة التعليم العربي لا تتوقف عند التعليم العام -كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي- بل تمتد إلى التعليم العالي، ولا أدل على ذلك مما كشفته قائمة تصنيف شنغهاي للجامعات الذي تطلقه سنويا منذ عام 2003 جامعة شنغهاي جياوتونغ الصينية تحت مسمى laquo;الترتيب الأكاديمي لجامعات العالمraquo; (ARWU)، هذا التصنيف الذي يضم أفضل (500) جامعة على مستوى العالم، ويعتمد التصنيف على معايير محددة ومهمة من أبرزها نسبة الحاصلين من خريجي الجامعة على جوائز عالمية كجائزة نوبل، والبحوث العلمية التي يكتبها أساتذة الجامعة وباحثوها ومكانة هذه البحوث والإضافات العلمية التي تقدمها في ميدان تخصصها، والبحوث العلمية التطبيقية التي ينشرها أساتذتها في المجلات العلمية المشهورة، مثل laquo;نيتشرraquo; البريطانية و laquo;ساينسraquo; الأميركية، أو مجلات متميزة في العلوم الإنسانية، إضافة إلى مكانة الجامعة في عدد من التخصصات العلمية مثل الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وعلوم الكمبيوتر، والاقتصاد وإدارة الأعمال والهندسة والتكنولوجيا وعلوم الكمبيوتر، وعلوم الحياة والزراعة، والطب السريري، والصيدلة، والعلوم الاجتماعية وغيرها مما يشمله التصنيف، ولولا دخول جامعتين عربيتين تصنيف هذا العام الذي أعلن في شهر أغسطس الماضي لما كان للعرب حضور في هذه القائمة، فقد استطاعت جامعتان سعوديتان هما جامعة الملك سعود التي حصلت على المرتبة 324 وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، التي حصلت على المرتبة 427، أن تكونا ضمن القائمة بينما غابت جامعات عربية عريقة عن هذا التصنيف.
وكالعادة جاءت الجامعات الأميركية في مقدمة القائمة فقد حصلت على المراتب الثماني بين أفضل 10 جامعات في العالم، كما احتلت 54 مرتبة أيضا من بين أفضل 100 جامعة، وقد تقدمت جامعة هارفارد القائمة تلتها جامعتا كاليفورنيا في بيركلي، وستانفورد، ثم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقد جاءت جامعة كامبردج البريطانية في المرتبة الخامسة بعد أن كانت في المرتبة الرابعة في العام الماضي، أما جامعة أكسفورد البريطانية فقد جاءت المرتبة العاشرة، وقد تقدمت الجامعات الآسيوية واحتلت 106 مراكز من بين قائمة أفضل 500 جامعة، حيث جاءت جامعة طوكيو في المرتبة الثامنة مما يشير إلى تطور التعليم في عدد من الدول الآسيوية، كاليابان وكوريا الجنوبية والصين، فقد دخلت 34 جامعة صينية ضمن أفضل 500 جامعة في ترتيب عام 2010، أي أكثر من ضعف عددها عام 2004.
أما في بريطانيا فقد دخلت 40 جامعة بريطانية إلى القائمة، كما دخلت 21 جامعة من فرنسا تتقدمها جامعة باريس 6، التي حصلت على المرتبة 39 وباريس 11 التي حصلت على المرتبة 45، و40 جامعة من ألمانيا أبرزها جامعة ميونيخ التي حصلت على المركز 52. ومن هولندا دخلت القائمة 12 تتقدمهم جامعة أوترخت التي حصلت على المرتبة 50 وجامعة ليدن التي حصلت على المرتبة 70، وهناك 8 جامعات من سويسرا ضمن القائمة أولها معهد زيوريخ الاتحادي للتكنولوجيا الذي جاء في المرتبة 23، أما إيطاليا فقد دخلت 23 من جامعاتها، كما دخلت بعض الجامعات من روسيا وتركيا واليونان والمجر وإيران، وغيرها من جامعات العالم.
يبقى بعد ذلك سؤال حول غياب معظم الجامعات العربية عن الحضور ضمن هذه القائمة أو غيرها من قوائم التصنيف الجامعي، فالدول العربية تضم مئات الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، لكن الواقع يشير إلى أن كثيرا من هذه الجامعات ليست في الحقيقة سوى laquo;مدارس علياraquo; لا تخرج علماء أو باحثين، إلا أن يكونوا باحثين عن عمل!!، وإذا كانت بعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية لا تملك إمكانات لتوفير تعليم عالٍ جيد، فما حجة الدول التي لديها إمكانات مادية كبيرة وكثافة سكانية قليلة أو متوسطة ولم تستطع أن تحقق تعليما عاليا جيدا؟!، الواقع يشير إلى أن الجامعات العربية قد فقدت laquo;بوصلتهاraquo;، فهي لم تؤسس لتعليم وطني يدرس احتياجات الدول من العلماء والباحثين، فدور الجامعات هو في الارتقاء بالعلم والبحث العلمي، وما عملية التعليم إلا نتيجة لدورها في هذا المجال، لكن معظم الجامعات العربية لا تولي اهتماما بالبحث العلمي، بل إن المستوى الوطني والقومي العربي لا يولي ذلك اهتماماً، فنسبة ما يُنفق على البحث العلمي من الناتج القومي العربي لا يتجاوز %0.3، بينما تنفق دول أخرى شبيهة بالدول العربية مثل كوريا الجنوبية ما نسبته %2.8 من ناتجها القومي على البحث العلمي، كما أن معظم الجامعات العربية laquo;استسهلتraquo; نسخ النماذج من جامعات غربية، وطبقتها في بيئة مختلفة من حيث الحاجات والإمكانات والمستوى العلمي والاجتماعي، ورغم نجاح تلك النماذج في بلدانها فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في البلاد العربية، ولا أدل على ذلك من نظام الدارسة وفقاً لنظام الاختيار الأميركي، فهذا النظام له جوانب إيجابية متميزة وعديدة، لكن خريجي هذا النظام لا يجد كثير منهم عملا، حتى في الدول قليلة السكان كدول الخليج العربي، لأن فلسفة النظام تقوم على الاختيار الحر للطالب في المجالات العلمية، على أن يحدد مساره الوظيفي بنفسه، دون تعهد من الدولة بتوفير الوظيفة لأحد، بينما في العالم العربي تتعهد الدولة بتوظيف خريجي الجامعات وبالمقابل تسمح لهم -وفقا لهذا النظام- باختيار ما يشاؤون من التخصصات، فإذا تخرج أحدهم في تخصص غير الذي تحتاجه الدولة، قيل له: laquo;لا توجد وظائف، لأن تخصصك غير مطلوب!!raquo;.
إن مشكلة الجامعات العربية ليست في تخصصاتها فقط، بل يمتد الأمر إلى فلسفتها، ودورها، ورسالتها، وقبل ذلك هويتها، وحتى يتم ذلك ستبقى جامعاتنا خارج القوائم!!