سعد محيو

لو أجري استفتاء الآن في لبنان حول المحكمة الدولية، لانقسم اللبنانيون إلى معسكرين متخاصمين ولكنهم متفقون في آن!

فالمعسكر الأول الذي يتكوّن من جمهور حزب الله و8 آذار، سيرفض المحكمة بصفتها أداة مُسيَّسة في يد ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة بهدف إشعال الفتن، وسيطالب بإلغائها أو على الأقل وقف تعامل لبنان الرسمي معها .

والمعسكر الثاني الذي يتشكّل من تيار المستقبل وقوى 14 آذار، سيواصل قبول المحكمة بصفتها أداة غير مُسيَّسة لتحقيق العدالة، لكنه لن يمانع في إدارة الظهر لها إذا مابات الخيار بينها وبين السلم الأهلي .

كلا المعسكرين الجماهيريين سيتقاطعان، على رغم التباين الفاقع في الآراء والعواطف، على نقطة رفض الفتنة، لكنهما أيضاً لا يزالان أسرى العُقد التي يحيكها القادة السياسيون، والتي هي عقد إقليمية ودولية في الدرجة الأولى .

فما هو في الميزان بالنسبة إلى سياسيي 14 آذار، لا يقل عن كونه فكاً للتحالف مع الغرب والمجتمع الدولي والدول العربية ldquo;المعتدلةrdquo;، إذا ما أقدموا على فك الارتباط بالمحكمة . وما هو على المحك بالنسبة إلى 8 آذار، ليس شيئاً آخر سوى مؤامرة كبرى يحوكها هذا الغرب نفسه لضربها عبر إخضاعها لاستنسابات وانحيازات الشرعية القانونية الدولية .

بيد أن جمهور المعسكرين لا يُغلّب لا الحسابات الإقليمية ولا الاعتبارات الدولية في مقاربته لمسألة المحكمة، فالعوامل الداخلية والمحلية هي الأساس لديه، وهي تعني أمن أطفاله وأولاده، ووضعه المعيشي الصعب، وتعبه من الحروب والنزاعات التي لا تتوقف على أرضه .

صحيح أن العدالة مطلوبة في مسألة الاغتيالات السياسية، لكنها مطلوبة أيضاً في عملية الاغتيال الجماعي للشعب اللبناني التي لم تتوقف لحظة، والتي أزهقت أرواح 150 ألفاً وجرحت 500 ألف وشرّدت مليوناً العام ،1975 ثم أكملت أعراس الدم والخراب في الحروب والصراعات اللاحقة .

وليد جنبلاط، على رغم تقلباته الزئبقية، هو الوحيد الذي ينطق هذه الأيام بمنطق ورغبات هذا الجمهور، أما باقي القادة فمشغولون في استكمال عملية الاستقطاب السياسي الحاد التي ستتوّج، في حال استمرارها، بانفجارات أمنية أو عنفية . جنبلاط يُحاجج بأن اللبنانيين لا يريدون العدالة لدم 20 شهيداً، إذا ماكانت تعني إسالة دماء عشرات آلاف الشبان والأطفال والنساء غيرهم، وهو يُشدّد على أن استمرار الشقاق حول المحكمة، سيُسفر في نهاية المطاف عن ضم لبنان إلى قوس الفتن المذهبية الممتدة من العراق إلى اليمن .

سعد الحريري يجب أن يكون المعني الأول بهذا الكلام بسبب موقعه الثلاثي: نجل لرفيق الحريري، وزعيم لتيار طائفي، ورئيس لحكومة لبنان، وإذا ما كان من الصعب عليه، بحكم علاقاته الإقليمية والدولية وعواطفه الشخصية، اتخاذ قرار بالتخلي عن المحكمة الدولية، فليس أقل من تقديم استقالة حكومته لإفساح المجال أمام حكومة جديدة تكون أكثر قدرة على إيجاد المخارج من المأزق .

إذا ما فعل الحريري ذلك، سيكون في منتهى الشجاعة لا الجبن، لأنه بذلك سيكون قد غلّب حس رجل الدولة على غرائز رجل السياسة، ولأنه أيضاً سيُنفّذ وعده بألا يكون والده سبباً للخراب في مماته بعد أن أمضى جل حياته بلا نقطة دم واحدة على يديه .

أجل، الشعب اللبناني المُنقسم، مُتوحِّد حول فكرة رفض أن تكون المحكمة معبراً إلى الجحيم، بقي أن يُنصت السياسيون إلى صوته، ويرحموه!