النقاب واللعب بالحريم

بدرية البشر
يبدو أن العرب والمسلمين يريدون أن يحوّلوا النقاب إلى قضية تشبه قضيتي laquo;ختان البناتraquo; و laquo;زواج الصغيراتraquo;، أعني بذلك تحويل العادات الثقافية إلى عبادات، وتحويل حقوق النساء إلى ساحات معارك بين الحركات الإسلامية المتشددة والحكومة في بريطانيا، يقوم بعض العرب بختان فتياتهن سراً وعبر قابلات غير قانونيات، مخاطرين بحياة فتياتهن، وحرمانهن من الحياة الطبيعية، وهؤلاء يعتبرون ختان النساء شكلاً من أشكال طاعة الله، وبعض المسلمين ممن يحملون الجنسية البريطانية يقومون بإخراج بناتهن من بريطانيا، وتزويجهن دون السن القانونية، ولا يرون بأساً في الكذب والتزوير، وحرمان الفتاة من حقوقها، فكل هذا تبرره لهم رغبتهم في اتباع الإسلام.
وطالما تحوّلت مثل هذه القضايا إلى رأي عام، وضجت دنيا المسلمين تناقش: هل من حق المسلمين أن يمارسوا عباداتهم كمواطنين من دون أن يفهم العالم أن هذه الممارسات هي ممارسات ثقافية ولا تعبّر عن جوهر الإسلام بل إن بعضها متطرف، تماماً مثلما منعت فرنسا النقاب في الشوارع لدواع وصفتها بالأمنية مرة، ومرة للحفاظ على هوية المرأة الإنسانية لأن وجهها هو هويتها؟ لم يقل أحد إن رؤية ساركوزي هذه تتفق مع الإسلام الذي يرى أن وجه الإنسان، ذكراً أو أنثى، هو هويته ولا يجوز حجبه، وأن هذا الرأي ورد عند أشد المواقف السلفية الإسلامية تشدداً، كما لدى الألباني في كتابه laquo;حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنةraquo;، ولم يجد المضطهدون بهذا القرار خلاصاً لهم في تصريح الشيخ محمد الطنطاوي، وهو رئيس الأزهر الشريف أحد أهم الكيانات الدينية في العالم الإسلامي، حين أعلن أن النقاب عادة وليس عبادة، بل راحوا يفتشون عن فتاوى متشددة لا يرضيهم سواها، تصر على أن نزع النقاب ولو في مثل هذه الظروف معصية، حتى وإن اضطرت المرأة للبقاء في البيت، وترك مصالحها ومصالح عائلتها، أو دفع غرامة تعادل ألفي ريال تقريباً.
اليوم، الثائرة نفسها تثور، لكن في مصر، حيث صدر قرار بمنع الطالبات المنقبات من أداء الامتحانات في جامعة مصرية لتعذر التعرف اليهن، وعلى رغم أنني مع حق الناس في التعبير عن أنفسهم، لكنني أحب أن أوضح بالدرجة الأولى أن الحركات الإسلامية التي تلجأ اليوم للدفاع عن نفسها بالمطالبة بالحق الديموقراطي، كحاجة مرحلية، تنسى أنها إما أن تأخذ الحق كله أو تتركه كله، أي أن تطبيق الديموقراطية لا ينفصل عن الليبرالية، وأن الديموقراطية لا تكفل لك أن تمارس فعلاً لا إنسانياً بحجة حرية الممارسة الثقافية الشخصية وحرية المعتقد والتعبير، مثل ممارسة الختان للفتاة أو تزويجها دون السن القانونية، أو إرهابها بأنها إن لم تلبس النقاب، فإنها تخرج من الدين، لمجرد أنك مسلم أو أن ثقافتك عربية.
حماية حقوق الإنسان وإن تعارضت مع الغالبية، ليست محلاً للتصويت، ولو كانت لي يد لقلت لهم laquo;العبوا بعيداًraquo;، بعيداً من هذه المرأة التي حقوقها دائماً محل ألعاب سياسية، ولطلبت منهم أن يلعبوا في منطقة حقوق الرجال وأقربها شبهاً بالنقاب هو حلق اللحى، والتي يقول أغلب أصحاب المدرسة السلفية إن حلقها حرام، وعلى رغم هذا لم نجد من يقف ضد منح الرخص للحلاقين بحلق اللحى ولم يوقف الناس في الشوارع ولا في الجامعات ويلاحقهم بالنصح والتأديب مثلما فعلت طالبان.
الرفض الاجتماعي ... مرة أخرى
داليا قزاز
صدر قرار مجلس الوزراء رقم laquo;120raquo; بتاريخ 12 - 4 - 1425هـ بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية، ونص بنده الثامن على laquo;قصرraquo; العمل في محال بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، وفي عام 2005 صدر القرار الوزاري رقم 793-1، بتاريخ 22 - 5 - 1426هـ بشأن تطبيق الإجراء الخاص بقصر العمل في محال بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية، وفق جدول زمني يبدأ بمحال الملابس النسائية والداخلية، وملابس النوم، خلال سنة من صدور القرار، ومن ثم محال العباءات والملابس الجاهزة في السنة التي تليها.
حتى الآن لم laquo;يقصرraquo; بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية، وتصريحات وزارة العمل المتمثلة في نائبها، الدكتور عبدالواحد الحميد، في ما يخص هذا الموضوع، أثناء مشاركته في فعاليات ملتقى المهنة (2) من أشهر عدة، كما نشرت الصحف المحلية، تؤكد تعرضه للهجوم هو ووزارته بسبب بدء تطبيق نظام العمل لبيع المستلزمات النسائية، وأن هناك جدلاً اجتماعياً يصل للتهديدات، فلقد صرح الحميد، كما جاء في صحيفة laquo;المدينةraquo;، آيار (مايو) الماضي، أن الجدل الاجتماعي من أهم المعوقات التي تمنع عمل المرأة، مؤكداً أنه حتى يحسم هذا الجدل الاجتماعي ستبقى إمكانات الوزارة محدودة في عملية توظيف المرأة، وأن الوزارة لو فرضت القرار سينتج عنه إشكالات اجتماعية كثيرة، وستتعرض المرأة العاملة في هذا المجال للمخاطر، وأشار إلى أن القرار لم يلغ ولكن يتم العمل عليه بشكل تدريجي.
بعد خمس سنوات انتظاراً، لتبدأ المرأة تأدية عملها في محال بيع المستلزمات النسائية، كما نص النظام، تلمح وزارة العمل إلى أن هذا القرار غير قابل للتطبيق في المستقبل القريب، وأنها مازالت تتدرج في تنفيذ القرار الذي لا يمكن فرضه لما يمكن أن يسببه من مشكلات اجتماعية!! ألم تعلن الوزارة في عام 2006 عزمها على تذليل كل العقبات حتى يصبح القرار مُلزماً للجميع؟ السؤال: ألم تقم الوزارة بدرس القرار قبل إقراره والمضي في التدرج في تنفيذه، وهل القرارات الوزارية تتغير أم تتأثر تبعاً للرغبات الاجتماعية؟ وكيف يتم تحديد هذه الاتجاهات أو الرغبات الاجتماعية؟ هل تجرى دراسات ميدانية وإحصاءات تحسب بدقة المؤيدين والمعارضين للقرار قبل صدوره؟ ألا يفترض أن يتبع المجتمع القرارات التي تفرضها الدولة الممثلة في وزاراتها؟ وماذا حدث للأربعة آلاف فتاة اللواتي تقدمن للعمل في المحال النسائية في 2006، وفقاً لتصريحات الوزارة في ذلك الوقت؟ هل تمت إضافتهن إلى الأرقام الأخيرة للعاطلات عن العمل؟
اليوم المرأة عالقة بين قرارات غير مفعلة، وسعت من فرصها العملية، وبين رفض اجتماعي، غير معروف حجمه بدقة، يحارب حصولها على حقوق كفلها لها النظام. تقبل فكرة عمل المرأة في المحال التجارية أو رفضها قناعة أو مشكلة فردية يجب عدم تعميمها، فالقرار لا يجبر من لا ترغب في هذا العمل على القيام به، ولكن لا بد أن تتوفر البيئة المناسبة وتمهد العقبات لمن تريد أن تعمل، فالقرار laquo;120raquo; ببنده الثامن لم يسمح بعمل المرأة في بيع المستلزمات النسائية، بل laquo;قصرraquo; هذا العمل على المرأة السعودية ولزم وزارة العمل بتنفيذه ومتابعته.
إن تفعيل القرار بشكل حقيقي وسريع سيفتح مجالات أوسع للمرأة العاملة، وسيوفر مئات الوظائف لسعوديات عاطلات، ولسعوديات لم يحصلن على تعليم جامعي وبحاجة إلى عمل شريف براتب بسيط لا يتعدى 1500 ريال، وسيعفي المرأة المستهلكة من إحراج مشاركة البائعين مقاساتها الخاصة من المستلزمات النسائية والملابس الداخلية، ويطبع فكرة وجود البائعة الجادة والمحترمة في المجتمع، ويحل الكثير من المشكلات، أما بقاء الوضع كما هو عليه وتعليق تفعيل قرارات تخص المرأة، وتصب في مصلحتها المهنية بشكل خاص، وفي مصلحة تنمية المجتمع بشكل عام، على شماعة laquo;الرفض الاجتماعيraquo;، فسيبقى حال المرأة معلقاً إلى أجل غير مسمى تحت وصاية فئة من المجتمع laquo;لا ترحم ولا تسيب رحمة ربنا تنزلraquo;!