البيت والجوار
غسان شربل
الحياة
ما يربط بين العربي وشقيقه المقيم في دولة مجاورة يفوق بالتأكيد ما يربط بين الفرنسي والألماني. الانتماء العربي ولغة المتنبي وغالباً الدين. وما جرى من نزاعات بين الدول العربية المتجاورة يقل بالتأكيد عن النزاعات الدامية المدمرة التي جرت بين فرنسا وألمانيا. وعلى رغم ما يربط العربي بالعربي فإن المسافات بين الأقطار تبدو كبيرة. ولا يكفي تغيير اسم جامعة الدول العربية ليتغير الواقع العربي البائس. ولا يكفي ان نعتمد تسمية الاتحاد العربي لنعتبر اننا صرنا انداداً للاتحاد الأوروبي. اوروبا شيء مختلف في درجة تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي آلية صنع القرار ودور الرأي العام ووعي المصالح المشتركة. وعلى سبيل المثال يستطيع برلسكوني وساركوزي ان يتبادلا الكراهية لكن ليس من حقهما اقفال الحدود او ترتيب انقلابات وراءها او زعزعة الاستقرار. ثم انني لا اعرف اذا كانت تجربة الاتحاد الأفريقي باهرة الى درجة الرغبة في نسخها. صحيح ان العقيد معمر القذافي صاحب ارقام قياسية في الوحدات والاتحادات لكن الصحيح ايضاً ان اسلوب العقيد ليس اقصر الطرق لترتيب البيت وترتيب حسن الجوار مع الجوار.
سرني ان تكون قمة سرت اهتمت بتوسيع البيت العربي والمجاهرة بالرغبة في احتضان مزيد من الزائرين. استوقفني laquo;القرار الداخليraquo; الذي طلب من رئاسة القمة والأمين العام عمرو موسى بدء الاتصالات لتطوير العلاقات مع تشاد وبحث laquo;انضمامهاraquo; الى الجامعة العربية او بعض اجهزتها. لا اعرف ان كان انضمام تشاد سيفيدها او سيفيد العائلة العربية لكن ما اتمناه هو الا تبالغ هذه الدولة المجاورة في التوقعات والآمال.
الحقيقة ان البيت العربي يواجه تحديات كبرى قد تتزايد خطورتها في السنوات القليلة المقبلة. هناك التحدي المزمن الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي ووجود حكومة اسرائيلية تقوم سياساتها على الاستيطان والضم وأحلام الترحيل. وهناك اضطراب الدور الأميركي في العالم والمنطقة. فالقوة العظمى الوحيدة تكاد تستحق تسمية القوة العظمى المريضة. مغامرتها العراقية انتهت بكارثة للعراق والمنطقة وتحويل العراق ملعباً للتدخلات يذكر بالملعب اللبناني. وحربها في افغانستان تنذر بما هو ادهى خصوصاً بعد انتقال الحرب الى باكستان نفسها. وإذا اضفنا الى ذلك سوء الوضع الاقتصادي وارتباك ادارة اوباما في الداخل والخارج تصبح الصورة اوضح. ارتباك اميركا في العالم يشكل فرصة للقوى الإقليمية لمحاولة تسجيل نقاط او تسديد ضربات. بوادر الانحسار الأميركي وعدم عودة اللاعب الروسي لوراثة الدور السوفياتي او جزء منه تسهل تصاعد حرب الأدوار في المنطقة وتحريك البيادق.
في هذا المناخ يشهد الإقليم ما يمكن تسميته محاولة قيام دولة كبرى فيه اسمها ايران. دولة تملك اوراقاً وراء حدودها وتحلم بتغيير المنطقة او التوازنات فيها ولعلها تحلم ان تكون في النهاية الشريك الأول لأميركا في هذا الجزء من العالم في ترتيبات الأمن والاستقرار. تركيا ايضاً يراودها حلم الدولة الكبرى في الإقليم لكنها تحاول تحقيقه بالديبلوماسية والتجارة والمشاركة في حل النزاعات والبحث عن صيغ الاستقرار. هناك تحد لا يجوز تناسيه. انه التحدي الذي يطرحه تنظيم laquo;القاعدةraquo; سواء عبر محاولة استعادة المبادرة في العراق او التحصن في اليمن بعد الصومال مقدمة لهز ركائز الاستقرار في الجوار.
لا مبالغة في القول ان محاولات ترميم البيت العربي لم ترتق بعد الى مستوى الأخطار المحدقة به. ويصعب تصور علاقات طبيعية ومتكافئة مع دول الجوار قبل قيام مثل هذه العلاقات بين الدول العربية اولاً. ان التراجع المريع في الثقل العربي في المنطقة بالغ الخطورة ويغري دول الجوار بترسيخ مواقعها داخل الخريطة العربية. وغياب الرد الملائم على هذه التحديات يضاعف انعكاسات هذا اللقاء القاتل بين معركة ملء الفراغ وتصاعد الحساسيات المذهبية والفشل الاقتصادي وتنامي خيارات التطرف واليأس.
برّي الوسيط القادم
داود الشريان
الحياة
وصف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قرار مقاطعة وزراء laquo;أملraquo;، وكتلة التنمية والتحرير، جلسات مجلس الوزراء حتى بدء مناقشة قضية شهود الزور بـ laquo;فقء الدملraquo;، نافياً، في حوار مع laquo;الشرق الأوسطraquo;، أن تكون هذه الخطوة موجهة ضد أي طرف، أو أنها تمت بالتنسيق مع أحد، وأن خطوته ليست مناورة.
لا شك في أن خطوة الرئيس نبيه بري تحرك ذكيّ الى الأمام. هو أدرك أن قضية شهود الزور سوف تسقط حكومة سعد الحريري، وربما تدخل البلد الى ازمة سياسية تستمر لوقت طويل، فقرر الخروج قبل ان تقع الفأس في رأس الحكومة، وينقسم اللبنانيون. الرئيس بري بات على يقين أنه من المستحيل استمرار حكومة تضم خصوماً مختلفين حول قضية مصيرية، من المستحيل ان يجلس رئيس حكومة الى وزراء يتهم حزبهم. لهذا قرر الرحيل قبل رفع الستار عن الأزمة في شكلها الحقيقي، حتى لا نقول المفجع، فضلاً عن ان خروجه الآن سيعفيه من الانحياز لهذا الطرف او ذاك، وسيكون بمقدوره الاستمرار في الحديث نيابة عن المحايدين والصامتين، مستنداً الى موقف وطني، ومستخدماً ورقة تجمع الأطراف كلها على ضرورة معالجتها عبر مؤسسات الدولة اللبنانية، والأهم أنه سيجد من يدعمه محلياً وإقليمياً، لأنه يتحرك ضمن اطار الدولة وشرعيتها، ويسعى الى حمايتها من الانهيار.
في حرب تموز لعب نبيه بري دور الوسيط بين laquo;حزب اللهraquo; وأطراف دولية، وهو اليوم يستعد لمعاودة لعب دور الوسيط، ولكن بين اطراف محلية هذه المرة. صحيح أن في إمكان نبيه بري أن يكون أكثر من وسيط بحكم منصبه كرئيس لمجلس النواب، لكنه أدرك بحسه السياسي ان laquo;عبوةraquo; شهود الزور ربما انفجرت بوجه تيارات ومؤسسات البلد كلها، فقرر أن يوجد لنفسه بديلاً سياسياً، من منصبه، فنأى بنفسه وحزبه عن أشواك المحكمة الدولية والقرار الظني وتداعيات شهود الزور، ولم ينس وسط هذا التحرك السياسي التمسك بلغة سياسية متوازنة مع الجميع.
الأكيد أن نبيه بري استطاع ان يتمسك بمظهر رجل الدولة على حساب زعيم الحزب. وهو بات أقدر السياسيين اللبنانيين على قراءة المستقبل. بارع في اكتشاف مخارج الطوارئ خلال الأزمات. بارع في لعبة التوازنات، وهو اليوم محط انظار كل من يراقب لبنان من الخارج.
لبنان... ولا عزاء!
جميل الذيابي
الحياة
في لبنان، صوت العقل يظهر قليلاً ويغيب كثيراً. مساجلات ومشاحنات وتهديدات واتفاقات وتنبؤات ونتوءات وقبلها قتل واغتيالات. فريق يهاجم بالكلام وآخر يهدد بالسلاح. هكذا كان المشهد السابق ويبدو سيكون الراهن. أحياناً تكون الصورة اللبنانية laquo;مبهجةraquo; وأحياناً laquo;محزنةraquo;، في ظل تصاعد لغة المشاحنات بين طوائف ومذاهب وتيارات وزعامات، جميعها يقتات على ظهر شعب يعشق العيش وصخب الحياة لكنه ينتصر للطائفة أولاً ويتأرجح بين الولاءات واللاءات، ولا عزاء لـ laquo;وطن الأرزraquo;.
لا شك في أن هناك قوى إقليمية وخارجية تتدخل في شؤون البلاد لمصلحة أهدافها ومصالحها، لكن في كل الأحوال يعرف اللبنانيون أنه مثلما هناك وطنيون وصادقون، هنالك مستفيدون وناقمون وطائفيون وخائنون، وهنا تكمن المشكلة اللبنانية.
موقف laquo;حزب اللهraquo; لا يزال متشجناً laquo;انقلابياًraquo; متغطرساً يتباهى بالقوة بغية استعادة ذكرى اجتياح بيروت عام 2008 تحت أي ذريعة سواء كانت شهود الزور أم القرار الظني أم غيرهما. حركة laquo;أملraquo; غرقت في الصمت حتى نطق نوابها بتهديد laquo;حزبيraquo; لا laquo;برلمانيraquo; بغية الانتصار لمطالب laquo;حزب اللهraquo;. وليد جنبلاط كما هو لم يتغير laquo;يبيع الكلامraquo; في الهواء الجماهيري، ويشحن العواطف بـraquo;الأوهامraquo;، حتى فقد الحلفاء بعد الفرقاء. ميشال عون يحرق كل أوراق طائفته في مركب laquo;حزب اللهraquo; وربما يسقط أكثر مثلما قال عنه سمير جعجع laquo;لم أكن أتوقع يوماً أن تصل إلى هذا الدرك، لم اكن اتوقع ان تختزن هذا الكم من التلفيق والاختلاق والابتعاد عن كل واقع وحقيقةraquo;. سعد الحريري يقف محتاراً لا مختاراً فـ laquo;المستقبلraquo; يخشى المستقبل في وجود فرقاء يكيلون له بكل المكاييل وحلفاء انصرف بعضهم، فيما يضع بعضهم اليد على القلب خشية من laquo;مستقبلraquo; أسود. ربما الوحيد الذي بقي صامداً ولم تتغير مواقفه منذ ان خرج من السجن، هو سمير جعجع، فالرجل laquo;القواتيraquo; لم تزعزعه نيات laquo;حزب اللهraquo; ولا تهديداته، فهو كما يقول يريد الوصول إلى الحقيقة رغبة في إنقاذ لبنان ودماء الشهداء. يبدو الوضع الداخلي اللبناني laquo;مقلقاًraquo;، وأشبه بما كان عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي، في ظل ارتفاع حدة الاتهامات المتبادلة بين الطوائف والتيارات السياسية على خلفية قضية laquo;شهود الزورraquo; والمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري.
لقد زايد اللبنانيون بالأقوال بأن بلدهم أشبه بساحة حرب أو ميدان معركة تتبارى على اراضيها دول إقليمية وأخرى بعيدة لتصفية الحسابات والأجندات، حتى أضحت أوضاع بلدهم الداخلية قابلة للانفجار بيد أهلها لا بيد غيرهم، خصوصاً مع امتلاك كل طائفة وتيار عدداً من أوراق اللعب لاستخدامها لمصلحة الزعامة والطائفة لا لمصلحة استقرار الوطن الأم.
يجب ان يدرك اللبنانيون ان الوعيد والتهديد لن يصنعا بلداً ولن يبنيا وطناً مشتركاً ولا هوية مشتركة، فالتنازل laquo;الرخيصraquo; أو الضعف عن الوصول إلى القاتل وما حل بالبلاد من اغتيالات واجتياحات لن يجلب حكومة قوية ولا أمناً أو استقراراً ولن يدرأ الفتن أو يقوّم الاعوجاج ويردع القتلة.
إن ظل لبنان دولة تسير على حبل مشدود، يربط laquo;حزب اللهraquo; مصير شعبه واستقرار بلده بقرار ظني، فستزداد التهديدات وسيدمر الحزب البلاد ويعطل العباد بأوامر laquo;الولي الفقيهraquo; إن صدر القرار.
هناك ضرورة ان يؤمن كل لبناني إيماناً كاملاً بأن استقرار بلده لن يصنع في الخارج بل يجب ان يصنعه اللبنانيون بأنفسهم وفق الرغبة في العيش المشترك والمواطنة الواحدة قبل الولاء للطائفة باعتبار ان laquo;الدين لله والوطن للجميعraquo;.
المهمة داخل لبنان هي مثل حالها في العراق الذي بات مهدداً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بسبب فشل الكتل السياسية العراقية في الاتفاق على تشكيل الحكومة، في ظل تدخل ايران التي تسعى لإقحام رجال الدين الموالين لها في الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في الانتخابات لإقرار نظام laquo;الولي الفقيهraquo;.
لبنان أدمن حالة الاحتقان الداخلي، وأصبح مستسلماً ومنصاعاً لواقع مقلق، فهو مثقل بكثرة الزعامات وموبوء بالطائفية والمذهبية، وازداد سوءاً وتعقيداً بعد أن أصبح لكل طائفة منبر سياسي وميليشيا عسكرية ووسيلة إعلامية laquo;حزبيةraquo; ومصدر تمويل خارجي، ما تسبب في فشل الجهود المستمرة والدائمة لتحقيق الاستقرار فيه.
إن الحديث عن تداعيات خطرة وسيناريوات حرب أهلية ومذهبية تطوّق البلاد، هو الاستنتاج المبدئي في ظل تزايد الاتهامات والتهديدات وسخونة التصريحات وفي ضوء تَعزُّز القناعة بأن التوصل إلى تفاهم مع بعض الأنظمة الحليفة للمعارضة أمر أقرب إلى المستحيل، خصوصاً بعد ما فعله laquo;حزب اللهraquo; عند استقبال جميل السيد في مطار بيروت تحدياً للقانون وترهيباً للحكومة، لا كما يرى الرئيس ميشال سليمان بأن laquo;هناك مبالغة إعلامية وسياسية بالتشاؤمraquo;.
التعليقات