حسن ناصر الظاهري

كان الأستاذ (غسان شربل) رئيس تحرير صحيفة الحياة حالياً يغطي أحداث مؤتمر المصالحة اللبنانية في الطائف آنذاك لصحيفة الشرق الأوسط، وكان في عز (الشباب)، وبحكم تواجدنا في بهو الفندق الذي يستضيف الأشقاء اللبنانيين - لساعات طوال - فإنه لابد أن تقام علاقة بين الإعلاميين العرب تفضي في الأخير إلى تعاون مشترك حذر تتم - أحياناً - خلاله مقايضة خبر بخبر، أو قصة بقصة، فكان (شربل) من أبرز الصحافيين اللبنانيين الذين ارتبطوا بعلاقة مع زملاء المهنة، وللحقيقة فإنه كان مثالاً للصحفي الناجح، وكانت قصصه الإخبارية التي يتم نشرها في الصفحة الأولى صباح كل يوم تثير في نفسي الإعجاب، وكنا نعتمد عليه في التعرف على الفرقاء اللبنانيين، لكن سؤالاً قد طرحه ذات مرة عليَّ ونحن في بهو الفندق نحتسي الشاي، أدركت من خلاله حدة ذكائه وأعجبت بألمحيته، لقد قال: ألا ترى أن كل لبناني في هذا الفندق بما فيهم (النواب) حينما يسير يكاد يلتصق بالحائط؟! وتابع.. هكذا فعلت الحرب في اللبنانيين، جعلتهم يلتصقون بأسوار المنازل خوفاً من بنادق (القناصة)، هذا الحذر انتقل معهم إلى الطائف، لأنه جزء من حياتهم اليومية.
لقد اختفى (القناصة) من أسطحة المنازل في لبنان عقب نجاح قمة الطائف وعودة الحياة إلى طبيعتها بين الفرقاء.. لكن ظل هناك وللأسف (قناصة) - كأي خلايا نائمة - تريد زعزعة الأمن في لبنان، حاولوا كثيراً، نجحوا قليلاً، وفشلوا مراراً، وكأنهم آلوا على أنفسهم أن لا يتركوا هذا البلد في حالة استقرار أمني.
حتى النافذون في لبنان، لمسوا قصوراً في قدراتهم، وجهلاً في التعاطي مع قضاياهم المحلية، فأوكلوا هذه المهام إلى أعداء لبنان، فأضحى لبنان رهينة في يد أولئك، كما أصبح النافذون فيه أداة تحركها تلك الأجهزة (بالريموت)، وغدا لبنان (دول) وليس دولة واحدة، بعدد الجزر الأندونيسية، كما أصبح القرار فيه ليس بيد شخص بعينه، فلكل جمهورية عظمى!.
الوضع في لبنان مأساة، لا يبشر بخير، والعلاج في يد المتنفذين فيه، وفي يد الذين يحكمونه من الباطن!، في كل بلدان العالم يناقش مبعوثو الدول والمنظمات خلال زياراتهم للدول الأخرى سبل التعاون المشترك، ويوقعون اتفاقات تجارية وثقافية، ما عدا لبنان، حيث تصل الوفود إليه بغية التخفيف من حدة التوتر بين الفرقاء اللبنانيين، وعقد مصالحات بينهم، والشاهد في هذا، هو ما نشهده اليوم من عودة للتوتر بحجة (شهود الزور)، لأن أعداء لبنان ضاقوا ذرعاً بالهدوء التام، والاستقرار الذي يشهده لبنان حالياً والذي أعقب انفراج أزمة الحكومة.