اسامة الشريف

الصحافة بخير والصحافة ليست دائما بخير! اتحدث عن الرسالة لا عن الوسيلة وعن القيم المهنية لا عن المهاترات وصحافة الاثارة واغتيال الشخصية. المراسل البريطاني العريق روبرت فيسك الذي غطى الشرق الأوسط، وبالأخص الصراع العربي الاسرائيلي، لعدة عقود يدين الصحافة الغربية المتواطئة مع ماكينة الدعاية الصهيونية بحيث تسقط على اعداء اسرائيل وكل من ينتقدها صفة الارهاب.
فالفلسطيني ارهابي والايراني ارهابي والتركي ارهابي وحماس ارهابية والناشطون على متن سفن الحرية ارهابيون أو متعاطفون مع الارهاب. يكرر فيسك كلمة ارهاب عشرات المرات في مقالته الاخيرة في صحيفة laquo;الاندبندنتraquo; ليؤكد على واقع ارهاب القوة وقوة الارهاب وعلى قدرة الكلمة اذا ما تكررت على تغيير حقيقة الاشياء. ويضيف فيسك ان الصحافة الغربية شريكة في المسؤولية وانها ومن خلال اطلاق التوصيفات والنعوت جعلت من الارهاب وصمة جاهزة تلصقها بأي كان.
وفيسك غاضب على اختراق السلطة للصحافة وعلى نجاحها في استخدام الاعلام لتعميم مصطلحات فارغة من اي معنى من صنف laquo;عملية السلامraquo; وraquo;الفوز بقلوب وعقولraquo; العراقيين أو الافغان وraquo;محور الشرraquo; وraquo;خارطة الطريقraquo; وraquo;اراضي متنازع عليهاraquo; وraquo;مستوطنات غير شرعيةraquo; وغيرها الكثير. ويرى فيسك ان الصحافة شاركت في تنفيذ مؤامرة لسرقة حقوق الغير وتبرير الحروب بالترويج لنعوت تختزل الحقيقة وتعبث بجوهرها. فالمستوطنات اليهودية تحولت الى بؤر ومجزرة اسرائيل في البحر المتوسط سميت حادثا بحريا والمقاتلون في العراق وافغانستان هم ارهابيون. وبالطبع فان كل من رمى حجرا او طعن مستوطنا في الخليل هو ارهابي. وكل يهودي يرتكب مذبحة في فلسطين هو مختل عقليا.
في مقابل ادانة فيسك للاعلام الغربي، هناك قضية اخرى تتعلق بالصحفي مايكل هيستنغز الذي اجرى حوارا مع الجنرال ستانلي ماكريستال نشر في مجلة laquo;روللنغ ستونraquo; قبل اسبوع وادى في النهاية الى الاطاحة بالقائد العسكري الأول في افغانستان. يكتب المعلق الحذق جلين جرينولد في موقع سالون على الانترنت عن عمودي الصحافة الاميركية؛ الاول الذي يمثله هيستنغز والذي يسعى لنشر الحقيقة دون مواربة او مداهنة، والثاني ذلك الذي عبر عن سخطه لأن هيستنغز تجاوز الاعراف واطاح برجل بمكانة ماكريستال. وخطيئة هيستنغز، في نظر الاخرين، انه كشف حقيقة مشاعر الرجل تجاه مرؤسيه وقدم وصفا واقعيا لسلوكه وافكاره دون خوف أو تحوط، ما جلب عليه غضب ما يسمى بالصحافة العريضة او المؤسسية التي هاجمته بعنف لخروجه عن المألوف في العمل الصحفي.
ما الذي نريده من الصحفي؟ أن يكشف الحقائق وينقل الواقع دون تجميل أو انحياز؟ ام ان يلعب دورا مرسوما في لعبة كبرى تسيطر عليها مؤسسات السياسة والعسكر؟ هل عليه ان يراعي اهداف السلطة، ام ان واجبه كصحفي يقتضي منه أن يكشف المستور بغض النظر عن النتائج؟
هناك موقع على الانترنيت اسمه laquo;ويكي لينكسraquo; ينشر وثائق ومعلومات واشرطة سرية عن فضائح وممارسات غير قانونية ارتكبتها حكومة الولايات المتحدة الاميركية. وهو ذات الموقع الذي سرب شريطا مصورا عن مجزرة اقدم عليها الجيش الاميركي في بغداد قبل سنوات وذهب ضحيتها مدنيون عزل وصحفيون. امريكا بكل اجهزتها تطارد صاحب الموقع الذي يقال بأن بحوزته آلاف الوثائق السرية التي تفضح ممارسات الاحتلال في العراق.
الصحافة بخير اذا ما هي احترمت رسالتها بكشف الحقيقة مهما كان الثمن. والصحافة ليست بخير عندما تنصاع لأوامر السلطة وتنضوي تحتها لتدفن الحقيقة أو تغيرها فتصبح المجزرة حادثا ومقاومة المحتل ارهابا. هناك دائما من يتصدى لارهاب السلطة لكن أكبر تحد لها يأتي عبر حرية الصحافة وتضحية من يؤمنون برسالتها!