عبدالله بن بجاد العتيبي

تناقلت وسائل الإعلام ومنتديات الإنترنت فتوى البعض بأن الصحافيين شياطين، وأنهم يتبعون سبل الشياطين، قصد هذا البعض اتباع الشياطين في الإفساد والتخريب وتشويه الحقائق، إضافة إلى عدم استضافة فضيلته أو التمجيد بآرائه المتميزة في وسائل الإعلام!
ولئن كان بإمكاننا في الصحافة رصد شياطين في التقاط الخبر، وشياطين في التعليق عليه، وشياطين في تحليله، وشياطين في استقراء المستقبل، فإن بإمكاننا في فتاوى المتشددين والمتطرفين والداعمين للإرهاب أن نرصد ما يمكن تسميتهم بأبالسة الفتوى، وهم يبقون ــ دائما ــ كما هم، تحريك العصيان شعارهم، وإثارة الفتنة دثارهم، ولئن لم يجدوا في فتاوى الفقه المعتادة ودروس العلم المرتادة ما يحبون، فقد وجدوا في إشاعة الكراهية، وتمجيد التشدد، وتعزيز التطرف مبتغى وهدفا.
إنهم لم يزالوا يسعون لمثل هذه الثلاث جهدهم، عبر فتاوى التكفير والتبديع والتفسيق، وبالطبع الفتاوى التي تثير جدلا إعلاميا يرفعون بها أسماءهم وقيمتهم، ويحولهم هذا الجدل ــ بقدرة قادر ــ من مجهولين إلى مشاهير، ومن منزوين لا يعرف من هم إلى أعلام في التطرف والتكفير.
لا يمثل أبالسة الفتوى المتدينين عموما، بل على العكس فأغلبية المتدينين عباد وزهاد وأتقياء لا يعرفون اسما، ولكنهم دائمو التبتل والإخبات، مدمنو الدعاء والرجاء، لا يمكن أن يكونوا أبالسة بحالٍ من الأحوال، فغايتهم النجاة وهدفهم الوصول لرضى الباري، وهم كثر رغم أنهم متخفون لا يبتغون شهرة ولا منصبا ولا صراعا ولا جاها.
وعلى النقيض منهم يتحرك الأبالسة، الباحثون عن الشهرة، الساعون للمكاسب، المتلهفون خلف السلطة من منصب أو انتشار أو تأثير لم يجدوه في سالف عصرهم وسابق عملهم وقديم طريقهم، والساعون إلى الصراعات المثيرة والفتاوى المتطرفة، وبضدها تتبين الأشياء.
طبيعة الأبالسة أنهم حين يأمنون العقوبة يسيئون الأدب، فهم جبناء يجسون النبض قبل أي تحرك، ويرصدون الوضع قبل كل فتنة يسعون لإثارتها، لا يملكون شجاعة المخلصين ولا توبة المذنبين، فهم يعانون الأمرين من ترك طريقهم القديم الذي أفنوا فيه زهرة حياتهم، وافتراع طريقٍ جديد يكون سببا للتأثير والوصول إلى الشهرة حسب ظنهم.
في الصحافة أخطاء، وكثير من الصحافيين يقرون بأخطائهم إخلاصا لمهنتهم، ولكن المفتين الأبالسة من دعاة التشدد والتكفير ــ لا كل المفتين ــ لا يفعلون الشيء ذاته، لأنهم يعتقدون أنهم أصحاب الحق المطلق، وأن قولهم هو قول الله نفسه، وفتواهم هي فتوى الرسول الكريم عينه، وهنا يكمن الفرق، بين بشر يقرون باجتهادهم، وبشر يرون أنفسهم فوق كل اجتهاد وكل نظر وكل بحث.
ولنا هنا أن نذكرهم بقول الإمام الخطابي:
ارض للناس جميعا
مثلما ترض لنفسك
إنما الناس جميعا
كلهم أبناء جنسك
غير عدلٍ أن توخى
وحشة الناس بأنسك
فلهم نفس كنفسك
ولهم حس كحسك